إذا قررت معرفة أسباب تقدم وازدهار الأمم، وتطور الحضارات المختلفة، فلن تجد سوى «الضمير والقيم الأخلاقية»، وإذا بحثت ونقبت عن سبب انهيار الإمبراطوريات الكبرى، واندثار الحضارات العظيمة، فى جميع المراجع التاريخية المختلفة، فلن تجد سببا سوى «قلة الضمير واندثار القيم الأخلاقية».
ولنأخذ مثالا، الحضارة الإغريقية، نجد الفيلسوف اليونانى العبقرى، أرسطو، وبجانب ما دشنه من مجالات معرفية مهمة، فإنه جعل من الأخلاق «Ethica» علما مهما، ثم انطلق إلى تدشين علم المنطق «Logic» ليضعهما تاجا فوق رؤوس كل مجالات وأدوات المعرفة الأخرى، مثل علم الطبيعة «Physica»، وما بعد الطبيعة «Metaphysica»، وعلم النفس «Psychologia»، والسياسة «Politica»، إلى آخر هذه العلوم.
إذن، الأخلاق والمنطق فضيلتان جوهريتان تتأسس عليهما كل أدوات ومجالات العلوم والتقدم والازدهار، ودونهما لن تكون هناك حضارة تترسخ وتتجذر فى عمق التاريخ، وإنما بديلها الفوضى والخراب.
ونأخذ مثالا آخر من واقعنا الحالى، الأمة اليابانية، لم تتمتع بأى مقومات طبيعية، وثروتها الحقيقية، الاستثمار فى البشر، واستطاعت أن تضع قدمها بين الكبار، بسلاح العلم، وتدشن لنفسها حضارة المستقبل، فانظر إلى أخلاقيات الشعب اليابانى، وضميره الحى واليقظ، فستجد المواطن فيه ينزعج لو ارتكب خطأ بسيطا، وربما يصل إلى حد الانتحار، ولا يمكن أن يتأخر دقيقة واحدة عن عمله، ولا يحتاج لرقيب لكى يؤدى عمله هذا بأمانة، ومن فرط أمانة الشعب اليابانى فى عمله، دفعت الدولة لتتوسل له أن يحصل على إجازات ويستمتع بحياته فى السفر وخلافه، كما رأينا اليابانيين فى بطولة كأس العالم بروسيا، مؤخرا، وعقب إحدى مباريات منتخبهم، قاموا بجمع ما خلفوه من قمامة فى أكياس، ما يؤكد القيم الأخلاقية رفيعة المستوى، والضمير الحى، حتى صارا سلوكا يسكن جيناتهم الداخلية..!!
لذلك، إذا أراد الأعداء والخونة هدم وطن، فما عليهم إلا تدمير القيم الأخلاقية، وتخريب الضمائر، وهو ما أكده توماس شومان، عميل جهاز المخابرات السوفيتى السابق «كى جى بى»، الذى شرح صوتا وصورة، خطوات تخريب المجتمعات، موضحا أن المجتمع المستهدف تخريبه وتدميره، حتى ولو يتمتع بديمقراطية راسخة، يبدأ الأعداء فى البحث عن عديمى الضمير والقيم الأخلاقية، ومتعددى الولاءات، وعن المجرمين البسطاء، والمختلفين سياسيا وأيديولوجيا مع الدولة، وبعض المضطربين نفسيا، المعادين لكل شىء، علاوة على مجموعة صغيرة من عملاء الدول الأجنبية، يتم تجميعهم فى بوتقة واحدة، وتحريكهم فى اتجاه واحد، وبقوة دفع واحدة، وما هو إلا وقت قليل، حتى يبدأ المجتمع فى الانزلاق التدريجى فى مستنقع الفوضى.
عندها يبدأ الأعداء فى الترتيب لبدء مراحل التخريب، وأبرزها، كما يشرح عميل المخابرات الروسى توماس شومان «مرحلة تدمير الأخلاق» بمنح الضوء الأخضر للمجموعات السابقة، للسير عكس كل القيم الأخلاقية، وانتهاك شرف المنطق والحكمة، ولا يعلو صوت فوق أصوات السفالة والشتائم البذيئة، وتخريب الذمم والضمائر.
ولن يتسنى نجاح تدمير القيم الأخلاقية، إلا بتشويه وتدمير الدين، واحياء النعرات الطائفية، وإشعال نار الفتنة بينها، ثم يتم الدفع بجماعات وتنظيمات، ترتكب من الخطايا ما يسهم بشكل فاعل فى تشويه الدين، والنفور منه، وتشويه الكيانات الدينية الراسخة، المنوطة بالدفاع عن صحيح الدين.
أيضا الدعوة لتدمير الوعى المستمد من التعليم، عن طريق التسفيه والتسخيف من العملية التعليمية، ودفع الناس للانصراف عن التعليم البناء، مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء والتاريخ، إلى الدعوة لتعليم الحياة الجنسية، والأبراج الفلكية، للإيمان بالغيبيات، والسحر والشعوذة واستخراج الجان، وغيرها من المجالات المدمرة للمجتمع..!!
وتأسيسًا على ما أبداه عميل المخابرات السوفيتى السابق من شرح عملى لتخريب وتدمير الأوطان، تجده يركز على أبرز أدوات التدمير، وهى سحق القيم الأخلاقية، وتخريب الضمائر والذمم، وهما العاملان الرئيسيان اللذان تنهض على أساسهما الأمم، وتدشن الحضارات، مثل الفرعونية والبابلية والإغريقية والفارسية، قديما، واليابانية والألمانية، حديثا..!!
لذلك، أول من دشن للسفالة والانحطاط الأخلاقى فى مصر، كان نشطاء وأدعياء الثورية فى 25 يناير، ونشطاء السبوبة والحركات الفوضوية، وروابط ألتراس كل الأندية، وسار فى ركبهم، جماعة الإخوان الإرهابية، لإسقاط البلاد فى وحل الفوضى، بسلاح تخريب القيم الأخلاقية، وإفساد الضمائر، والمؤلم أن كل الأديان السماوية نادت بترسيخ القيم الأخلاقية، وما قول المولى عز وجل فى كتابه العزيز إلا نبراسا وهدى، عندما وصف رسوله الكريم فى صورة القلم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».. صدق الله العظيم..!!
لذلك، من يلجأ إلى تدمير القيم الأخلاقية، وتدشين السفالة والانحطاط، والشتائم البذيئة، واغتيال وتشويه سمعة الشرفاء الأبرياء، يسير فى مخطط تدمير المجتمع، ومن ثم إسقاط الدولة، سواء بقصد، أو بدون، ويجب التصدى لهؤلاء بقوة القانون المفرطة...!!
ولك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر...!!