رغم محاولات كثير من المراقبين والمحللين فى الجانب الأوروبى التشكيك فى فاعلية الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية ضد إيران، تارة بالاستشهاد بتجارب سابقة للعقوبات الأمريكية التي فرضت على الدولة ذاتها لسنوات طويلة خلال إدارات سابقة، أو بالاستناد إلى أن عدم التزام الاتحاد الأوروبي بهذه العقوبات يحد كثيراً من فاعليتها، وأن هناك قوى اقتصادية عالمية كبرى إما ستتضمنها قائمة الاستثناء الأمريكية من تطبيق العقوبات التي تتمركز بالأساس حول حظر شراء النفط الإيراني أو التعامل مع المصارف الإيرانية، أو لأن هذه القوى ليست فى وارد الالتزام بالقرار الأمريكي في هذا الشأن مثل روسيا والصين على وجه التحديد.
علينا أن نتذكر أن العقوبات الأمريكية السابقة ضد نظام الملالي لم تكن تتماهى مع إرادة صارمة للتطبيق من جانب البيت الأبيض، فالرئيس السابق باراك أوباما، لم يكن ليتوانى عن منح نظام الملالي الضوء الأخضر للتحايل على العقوبات الأمريكية، حيث كان أوباما يراهن منذ بداية حكمه على توقيع صفقة مع نظام الملالى، فى حين أن الأمر يبدو مختلفاً هذه المرة سواء من حيث طبيعة بنود العقوبات ومحتواها والخسائر التى تنتظر من يخالفها من الدول والشركات والكيانات فى مختلف أرجاء العالم، أو بالنظر إلى صرامة الرئيس ترامب ورهانه الكبير على انهاء المشروع التوسعي الإيرانى فى الشرق الأوسط.
أمامنا فى هذا الإطار تجربة واضحة حديثة، هى تجربة النظام الكورى الشمالى، الذي يبدو قريب الشبه من حيث الخصائص والطبيعة الديكتاتورية مع النظام الإيراني، حيث اثبت العقوبات الأمريكية فاعليتها في غضون أشهر قلائل، بل إن تأثير هذه العقوبات قد أزاح تماماً ما يقال تاريخياً عن ضعف تأثير العقوبات كآلية من آليات الضغط الدولي، حيث نجحت العقوبات في تحويل مواقف بيونج يانج في غضون أشهر قلائل من التهديد بالترسانة الصاروخية والنووية إلى الرغبة في الحوار والجلوس على مائدة التفاوض وعقد قمة تاريخية بين كيم جونح اون الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتالي يبدو من المتوقع ـ إلى حد كبير ـ أن تفلح هذه العقوبات فى تحقيق الهدف المرجو فى لجم الاندفاع والخطر الإيرانى فى الشرق الأوسط.
الإشكالية تاريخياً لم تكن في أي نظام للعقوبات، ولكن في شبكات التحايل والالتفاف على قرارات العقوبات الدولية والأمريكية ضد أي دولة، وبالتالي فإنفي ظل غياب التوافق الدولي الكامل حول تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة ضد الملالي، فإن من الضروري أن تتضافر تلك العقوبات وتتوازى مع تدابير دبلوماسية وعسكرية واستخبارية أمريكية مع دول المنطقة في إطار حملة منسقة لاحتواء التهديدات الإيرانية لدول المنطقة الخليجية والعربية.
البيت الأبيض يؤمن بأن العقوبات الجديدة "أصعب نظام عقوبات فٌرض على إيران على الاطلاق"، وهي بالفعل كذلك لأنها تستهدف عمليات الشحن وبناء السفن والتمويل والطاقة، أي القطاعات الأساسية للاقتصاد الإيراني، الذي تأثر بها بشكل هائل منذ الإعلان عنها وقبل توقيعها بأشهر، حيث انهارت العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية، ما يعكس الأثر النفسي الهائل لهذه العقوبات، التي لو انضم إليها الاتحاد الأوروبي لكان النظام الإيراني قد استسلم في غضون أسابيع إن لم يكن أياماً قلائل.
ورغم محاولات نظام الملالي الادعاء بأن الولايات المتحدة تستهدف تغيير النظام، في محاولة لكسب التعاطف الشعبي مع الملالي، فإن الدبلوماسية الأمريكية واضحة في هذه الجزئية حيث اكدت اكثر من مرة على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، إن العقوبات تهدف "إلى تغيير جذري فى سلوك" إيران.
التكتيك الذي يتبعه نظام الملالي في مواجهة العقوبات الأمريكية الجديدة، التي بدأ تطبيقها الأسبوع الجاري، قائم على محاولة تحويل الصراع ونقله إلى ساحة الشعب الإيراني، بمعنى الادعاء الدائم بأن العقوبات تستهدف الشعب الإيرانى، وأن الإيرانيين يتسمون بـ "الشجاعة" ولن تخيفهم العقوبات الأمريكية، وهذا تكتيك بائس لسبب بسيط هو أن الإيرانيين أنفسهم يترقبون أي بادرة ضعف من نظام الملالي للانقضاض على قبضته الأمنية الحديدية، فليس هناك أي تعاطف شعبي متوقع من جانب الإيرانيين حيال نظام الملالي، وهذه نقطة قوة أخرى تعزز فاعلية العقوبات الأمريكية لتجعل منها بالفعل "الأقسى" في التاريخ، كونها تتضمن قطاعات مهمة، وتأتى فى توقيت بالغ الحساسية بالنسبة لنظام الملالي الذي يوشك على الانهيار.