رفضاً لمقترح النائب البرلمانى محمد الحسينى بنقل مستشفى العباسية من مكانها الحالى إلى مكان آخر للاستفادة من أرضها فى مشروع استثمارى يحقق الاستفادة القصوى من أصول وأراضى الدولة، أرسل العلامة الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، رسالة يثمن رفضنا لهذا المقترح البرلمانى الشرير فى مقالة سيقت ونشرت يوم الجمعة الماضية بعنوان «رغبات شريرة» وأعقبها باتصال هاتفى مبديا غضبه الشديد فى مواجهة هذه الرغبات البرلمانية الشريرة فى أرض المستشفى «68 فدانا بعدما كانت مائه فدان سابقا بعد استقطاع بعض من أراضيها!!!!».
يقول الدكتور عكاشة، «فى عام 1883 اندلع حريق كبير التهم أحد القصور الملكية لواحد من الأمراء، ولم ينج من الحريق سوى مبنى مكون من طابقين، وقد تم طلاء هذا المبنى باللون الأصفر، وتحول بعد ذلك إلى أول مستشفى للأمراض العقلية وليس فى مصر بل فى كل البلاد العربية «هو حقا السرايا الصفراء»، وكان هذا المكان يقع فى العباسية التى كانت عندئذ منطقه صحراوية نائية على أطراف القاهرة، وكانت المستشفيات العقلية فى كل العالم ليست للعلاج، حيث لا يتوافر، ولكن كانت لحماية المجتمع من خطر هؤلاء، وكانت ملجأ أو مأوى وليست للعلاج.
وبعد التطور الكبير الذى حدث فى العلاج وفى مجال الطب النفسى أصبحت المستشفيات فى العالم كله فى وسط المجتمع، مثل أى مستشفى، بل إن كل المستشفيات العامة بها أقسام للمرضى النفسيين، فالمطالبة بنقل مستشفى العباسية باء بالفشل عدة مرات، لأن هؤلاء لا يملكون سوى هذه المستشفى بتاريخها العريق، والتطور الحديث فى أرضها استوعب المرضى من مختلف أجناسهم، والعيادات الخارجية للأطفال، والمسنين، والناضجين، والطب الشرعى النفسى «المكان الوحيد» والعجز الذهنى «سابقا التخلف العقلى».
وفى عام 2009 تم اكتشاف رسومات وتخطيط لنقلها إلى مدينة «بدر» بواسطة وزير الصحة آنذاك، وبصفتى رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى ورئيس الجمعية العالمية للطب النفسى سابقا، وأن أحد مهام الجمعيات هى حماية المريض النفسى والدفاع عن حقوقه، قمنا بمظاهرة من كل الأطباء النفسيين بقيادتى واشترك فيها كل العاملين فى الحقل النفسى، وكانت أمام مستشفى العباسية ودعونا الإعلام ليشهد على التخطيط لهذه الانتكاسة، وما كان من الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلا إعطاء أوامره بعدم المساس بمستشفى الطب النفسى بالعباسية «اسمها الحالى».
وقد شكل فى نفس الوقت المجلس الأعلى للآثار برئاسة الدكتور زاهى حواس لجنة علمية منبثقة من اللجنة الدائمة للآثار المصرية والإسلامية، وقامت اللجنة بتقديم تقرير علمى أثبت أن واجهة مستشفى العباسية هى واجهه أثرية وطبقا لقانون الآثار 117 لعام 1983 فقد تم تسجيل الواجهة كأثر والمنطقة المواجهة لها أيضا واعتبرت المستشفى حرما أثريا، إذن المساس بمستشفى الطب النفسى بالعباسية يعتبر خرقا لقانون الآثار وهدرا لقيم وحقوق المريض النفسى، حسب كل مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.
إن العالم المتحضر يعامل المريض النفسى كأى مريض عضوى، حيث إن مرضه موجود فى الدوائر العصبية بالمخ، ويجب معاملته مثل أى مريض آخر بل أفضل من مريض القلب والسكر والسرطان، لأن الله أصابه فى أعز ما يملكه الإنسان من فكر وعاطفة وإرادة.
عسى أن يقرأ النائب المحترم رسالتى حتى يتبين الخطأ الكبير الذى سيقترفه فى تحطيم المريض النفسى الذى يحتاج فى علاجه المساندة الاجتماعية، واحترام حقوقه والحفاظ على احترامه، وعسى أن يتراجع النائب المحترم عن التفكير فى تقديم هذا المقترح الذى يعود بمصر للوراء حيث إن مستشفيات الطب النفسى فى العالم العربى والغربى تكون فى وسط المجتمع وليس بمنأى عنه.