كنت أمتلك شقة فى مدينة أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة، شقة صغيرة، لكن روحها حلوة، اجتهدت فى تجهيزها على الطراز الإسلامى العتيق، كانت الشقة جميلة رقيقة برغم كثرة التفاصيل، شرفتها تطل على مزرعة جامعة القاهرة، وهذا ما كان يزيد إعجابى بها، لكن على يمين الشرفة يقع مخزن كبير لشركة مياه الشرب، مخزن مفتوح، تدخل إليه السيارات وتخرج منه، «على مدد الشوف» ترى السيارات القديمة المهترئة، وترى المواسير الضخمة البالية، وترى الكراكيب فى كل مكان، مساحة مهولة، تمتد حتى أطراف محور صفط اللبن، وتتشعب حتى تصل إلى شوارع بولاق، ومن الشرق مدينة الجامعة، كنت أنظر إلى تلك «الخرابة» كل يوم وأزداد حسرة، لماذا تهدر مصر كل هذه المساحة من أجل الكراكيب؟ لماذا لا نستفيد بهذه الأرض الشاسعة ونحن فى أمس الحاجة إليها؟ لماذا لا ننشئ عليها ملعبًا مثلًا؟ أو مجمعًا ثقافيًا؟ أو مركز شباب؟ أو حتى حديقة مفتوحة لأهالى بولاق وصفط اللبن وأبو قتادة؟ لماذا لا نفتح فيها مصنعًا للملابس الجاهزة أو حتى مشغلًا للحرف اليدوية؟ لماذا لا ننشئ مثلًا مدرسة صنايع؟ ولماذا لا تتحول إلى معرض دائم للمنتجات المصرية؟
كل هذه الأسئلة لم أجد لها إجابة، وكانت الإجابة الحقيقية هى أن مسؤولى هذه الشركة على مدار العقود السابقة لم يشعروا يومًا بأنهم فى مهمة وطنية وأنهم مطالبون بالربح أو حتى بتحقيق المصلحة العامة حتى لو لم تكن مربحة، حكومة وراء حكومة، وزير وراء وزير، مدير وراء مدير، لم يصرخ أحد فيهم ليقول إن الأوطان تضيع بمثل هذا التبديد، لم يجتهد أحد فى يوم من الأيام لصيانة أصول الشركة باعتبارها من أهم مفردات ثروتها، لم تنجرح عين أحد بهذا القبح المشاع فيحاول تغييره ولو على سبيل كسر الملل.
هذه حالة واحدة من حالات إهدار أصول الدولة، وتبديد ثروة الشعب، تقابل منها كل يوم عشرات الحالات، لدرجة أننا فى كثير من الأحيان ننشئ وزارات وننساها، نبنى أصولا ونهملها، نوظف عمالا دون حاجة، ونترك مصالح بلا عمالة كافية، تحول المال العام إلى نهيبة، وتحول المسؤولون إلى تروس صدئة فى ماكينة معطلة، وتحولت ثروة مصر إلى ساحة «خردة» كبيرة.
كل هذا جعلنى أتعاطف تمامًا مع ما قاله الدكتور هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، عن خطة عمل الوزارة، والاستراتيجية التى تم وضعها للتعامل مع الشركات التابعة للقطاع، وكيفية إعادة هيكلتها لوقف نزيف الخسائر، وزيادة أرباح الشركات الرابحة، واستغلال الأصول غير المستغلة، فأصول شركات قطاع الأعمال وأصول مرافق الدولة عامة بحاجة ماسة إلى إعادة تخطيط وإعادة استثمار، وإعادة شحن بطاريات الضمير.