بالنظر إلى خرائط الصراع فى العالم يبدو مقسوما إلى نوعين واضحين، فى العالم الثالث تتواصل الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وتتزايد التنظيمات الإرهابية مثل داعش وأخواتها، وتظل الحلول السياسية مستبعدة وغير مطروحة على قوائم اهتمامات الدول الصناعية بالعالم الأول، وفى المقابل تظل قدرة الدول الكبرى على حل صراعاتها سياسيا مهما كانت الأثمان.
ففى بريطانيا تخوض رئيسة الوزراء تريزا ماى حربها السياسية لإنهاء الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى بأقل الخسائر، وتسعى لإقناع أوروبا والداخل البريطانى بخطتها للخروج، وتبقى الأثمان محصورة فى استقالات لوزراء أو مطالب بسحب الثقة لكنها لا تتطور إلى حروب بالسلاح. فيما تواجه إنجيلا ميركل تراجعا فى مواجهة اليمين، ويظل الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين فى سياقات السياسة والانتخابات.
فى كل بلد أوروبى هناك صراع تحله السياسة، بينما نفس هذه الدول تتسابق فى إنتاج السلاح وبيعه إلى مناطق الصراع الساخن ومنها الشرق الأوسط التعيس، ولايزال الحل السياسى بعيدا فى سوريا وتلتهم الحرب مليارات بعد أن دمرت الكثير من البنية الأساسية وتحتاج عملية إعادة الإعمار إلى مئات المليارات. ومثل سوريا دمرت الصراعات اقتصاديات ليبيا واليمن ومازال اقتصاد العراق هشا نتيجة الصراع مع «داعش». ومن الشرق الأوسط إلى أفريقيا حيث تبقى الصراعات قائمة، حيث تواصل جماعات بوكوحرام والجماعات العرقية والدينية صراعاتها فى نيجيريا وإثيوبيا والصومال وغيرها، لتستهلك الأموال وتدمر البنيات الأساسية.
أدى الصراع العنيف إلى تدهور الأوضاع فى منطقة تواجه بالفعل قصورا هيكليا وانخفاض الاستثمار والسياحة، وقدر أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، خسائر صراعات الشرق الأوسط بأكثر من 640 مليار دولار، وفى المقابل تنتعش تجارة السلاح فى العالم المتقدم، وحسب تقرير معهد ستوكهولم للسلام العام الماضى فإن صفقات السلاح التى عقدها 155 بلدا، تشير إلى أن 9 بلدان فى الشرق الأوسط وجنوب شرق وغرب آسيا حصلت على %43 من هذه الصفقات، وحصلت أمريكا على %50 من صفقات تسلح البلدان العربية، وجاءت بريطانيا، فرنسا، وألمانيا فى المراكز التالية وتتصدر أمريكا مصنعى السلاح فى العالم بـ%33، وتنتج روسيا حوالى %23 من الأسلحة، وتحتل المركز الثانى فى قائمة مصنعى الأسلحة، وتحتل الصين المركز الثالث على كل من لندن وباريس وميونخ، فى صناعة السلاح.
وأرتفعت صادرات السلاح عالميا بنسبة %16 فى جميع أرجاء العالم باستثناء أوروبا، التى أنخفضت واردات الأسلحة فيها بنسبة %36، هذا عن تجارة السلاح المشروعة، وهناك التجارة غير المشروعة للأسلحة التى تقدر بنحو 60 مليار دولار سنويا وتبيعها الشركات العلنية من أبواب خلفية.
وتلتهم صناعة الحرب وتجارة الخوف فى الشرق الأوسط وأفريقيا مئات المليارات التى تدخل إلى خزائن الدول الكبرى الأكثر إنتاجا وتصنيعا للسلاح، وفى المقابل تخفض دول أوروبا استيرادها من السلاح، وتلجأ للسياسة فى حل الخلافات، بينما تبدو نفس الدول حريصة على تغذية حروب الخوف فى العالم الثالث لتضمن تدفق عائدات السلاح.