الاتجاه إلى الغناء الدينى كان ثمة تميزت بها العصور على اختلافها، وأيًا كانت الأسباب التى دفعت نجوم الطرب الحديث إلى هذا الاتجاه فإنه يبدو أمرًا صحيًا ومكملًا لحلقات التطور الطبيعى على مر الزمان، ومحققًا لرغبات الجميع، سواء مطربين أو جماهير، كما قلت فى المقال السابق، لإشباع النزعة الدينية أو الصوفية فى الوجدان، ففى السنوات الأخيرة بدأت الأغانى الدينية تستعيد قوتها، بعد أن لجأ مطربون كثيرون إلى ضفاف الغناء الدينى، فقدم مثلًا محمد منير تجربته المتميزة «مدد يارسول الله»، وهو لم يكن يسعى إلى فرقعة إعلامية، بل بدا صادقًا وواعيًا ولعل هذا ما ساهم فى نجاح تجربته التى وصفها «منير» نفسه حينذاك بأنها تجربة ضرورية على أكثر من مستوى، فهى كانت تشكل له على الصعيد الشخصى تجربة ملحة ليس فقط لأنه فنان يسيطر عليه هاجس التجديد فى مشروعه الفنى، ولكن أيضًا لأنها تحقق لديه النزعة الصوفية، كما أنه راعى فيها التركيز على أن الدين الإسلامى هو دين يدعو إلى التسامح والسلام، وهناك تجربة أخرى ناجحة لهشام عباس من خلال تقديمه «أسماء الله الحسنى» التى صارت الأشهر عند الجماهير المصرية التى لا يبدأون حفلاتهم أو مناسباتهم المفرحة إلا بها، وضمت الأغنية الدينية أيضًا بين دفتيها العديد من نجوم الطرب مثل هانى شاكر وعلى الحجار ومحمد ثروت وإيمان البحر درويش ومدحت صالح وعمرو دياب ومحمد فؤاد ولطيفة وأصالة و مصطفى قمر وأحمد إبراهيم وتامر حسنى وحمادة هلال وشعبان عبدالرحيم وآخرين.
نجاح هذه الأغانى يعود إلى النزعة الدينية العالية فى مصر والوطن العربى، وقد يكون التجارب الأخيرة ليست تجارب رائدة أمام التجارب السابقة لرواد الغناء العربى الذين خاضوا التجربة أيضًا بدءًا من سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، ومرورًا بعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وفايزة أحمد ونجاة وغيرهم، إلا أن وجودها فى حياتنا أمر ضرورى جدًا.. للحديث بقية.