نحن على موعد جديد مع الشيخ الدكتور سلطان القاسمى، حاكم الشارقة، على موعد مع عطاء لمصر من رجل لا يترك لحظة واحدة دون أن يذكر فيها أنه «صناعة مصرية».
تبرع الشيخ سلطان بإنشاء مبنى اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية فى مدينة 6 أكتوبر، وهذه الخطوة هى أحدث عطائه الذى اكتمل من يومين، وهذا الفعل معهود منه نحو الثقافة العربية، ليجدد تأكيد نظرتنا إليه بأنه طراز نادر من الحكام العرب، هذا الطراز الذى يرى أن الثقافة هى الطريق القويم لبناء الإنسان العربى، فمن السهل أن تشيد المبانى والمصانع والمزارع، لكن من الصعب أن تبنى الإنسان معرفيا وثقافيا بطريقة وطنية صحيحة، وعلى قاعدة أنه لا سبيل للتقدم إلا بهذا البناء يقتحم الشيخ سلطان كل الصعوبات ليذللها فى سبيل تحقيق هذا الغرض، ولأن مصر، وكما يقول هو، «لها فضل عليه كفضل الشمس على الأرض» لا يتأخر عنها أبدا، ويعتبر ما يفعله «جزء من رد الجميل، فالمصريون علمونا وأكملوا الطريق لنا فى جامعاتهم ونحن لا نستطيع رد الجميل، ومهما عملنا لا يكفى لرد الجميل».
فى قائمة عطائه لمصر سنجد تبرعه بإنشاء مبنى الجمعية التاريخية، وتبرع بإنشاء مجمع المعامل البحثية بكلية الزراعة جامعة القاهرة وهى الكلية التى تعلم فيها وتخرج فيها، كما تبرع بإعادة ترميم المجمع العلمى الذى احترق عام 2012، وأهداه مجموعة كبيرة من المخطوطات النادرة والمجلدات والموسوعات، وتبرع بترميم مبنى كلية الهندسة فى جامعة القاهرة الذى اشتعلت به النيران أثناء فض اعتصام «النهضة»، وشيد مبنى اتحاد الأثريين العرب، ومبنى اتحاد المؤرخين العرب، وهذا بعض وليس كل ما قدمه هذا الرجل العظيم لمصر، ليثبت أن المحبة والوفاء ليسا كلمات تقال فى مزاد، ونحن أمة بارعة فى ذلك، وإنما فعل حقيقى يفيد الإنسان.
باب الأفعال العظيمة من الشيخ سلطان القاسمى لمصر يجعل كلماته نحوها تسكن قلوب المصريين دون استئذان، يصدقونه حين يقول: «أنا جيزاوى قد تعلمنا وعشنا من خير مصر، لقد عشنا أيام النصر والوحدة وأيام النكسة والانكسار، كانت الشوارع تخلو حينما كان يخطب عبدالناصر، وحينما تغنى أم كلثوم»، ويقولون له ونحن نحبك بلا حدود حين يقول: «عشقت مصر قبل أن أراها فى الخمسينيات من خلال إذاعة صوت العرب التى كانت تربطنا بمصر كشريان يغذى القلوب قبل العقول، وعندما انقطعت كأنما شرايين القلب كلها قد تقطعت»، ويجدونه مدونا لتاريخ مصر حين يقول: «لقد تخرجت فى مدارس كثيرة فى مصر ليس فقط فى كلية الزراعة فقد كانت تلك الفترة- الستينيات- كل مكان بها يعطى الإنسان من الثقافة والعلم والمعرفة الكثير حتى المقاهى نفسها بنجومها اللامعين الذين تعلمت منهم الكثير على رأسهم أحمد عبدالله ومحمود السعدنى فى قهاوى الجيزة، وديان بالدقى، والشيخ زكريا الحجاوى، وركن الشعراء الذى كنت أواظب على الجلوس فيه».
من هذه الكلمات يجد المصريون أنفسهم أمام واحد منهم، عاش معهم أيامهم بنصرها وهزائمها، وتعفرت قدماه بتراب شوارعها حين لف ودار على أرضها، وهناك بالطبع قيادات عربية ورؤساء قضوا أيامهم فى مصر، لكن يتفرد الشيخ سلطان بين الجميع بأنه لا يمل من القول بفضل مصر عليه، ومن الفعل الذى يرى من خلاله أنه يرد به بعض ما فى عنقه من دين لمصر.
مهما كتبنا عن الشيخ سلطان القاسمى فلن نوفيه حقه، وأقل ما نقدمه له هو معرفة سيرته الشخصية كى يعرفها المصريون، وسنكتب عنها من سيرته «سرد الذات».