بداية، وللتوضيح، بصفتى دارسًا للتاريخ، أؤكد أننى ضد تزييف التاريخ وتزويره، وأعلن حقيقة خالية تمامًا من كل شوائب الشك والريبة، أن تاريخ مصر شهد جرائم تزوير وتزييف كارثية منذ واقعة قيام الملك تحتمس الثالث بإزالة اسم الملكة حتشبسوت وتاريخها من جدران معبدها بالدير البحرى بالأقصر، ومازالت عملية التشوية والإزالة شاهدة على جدران المعبد الشهير، ثم ألغى كل سنوات حكمها التى وصلت إلى 16 عامًا، وقام بتأريخ فترة حكمه منذ بداية عهد حتشبسوت، فى محاولة لمسح اسم الملكة وإزالته من الوجود.
أما الواقعة الثانية البارزة لعملية التزييف والتضليل، فهى استبعاد أهم ثورة فى تاريخ مصر ضد حكم المماليك المحتلين والمدمرين للبلاد، وسطرت نجاحًا مبهرًا سبقت فى مبادئها وأهدافها الثورة الفرنسية، ألا وهى «ثورة شيخ العرب همام»، ولا نعرف لماذا تم استبعاد هذه الثورة من كتب التاريخ؟!
ومن هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس فى كبد السماء، نؤكد أن عملية التزييف والتزوير مارسها ثوار ونشطاء ونخب 25 يناير 2011 عندما طالبوا بإزالة اسم مبارك من كل كتب التاريخ، ومن فوق عدد كبير من المنشآت العامة، كالمدارس والمستشفيات، ومحطات المترو والسكك الحديدية، للدرجة التى وصلت إلى عدم ظهور صوره فى ذكرى الأحداث التاريخية المهمة التى لعب فيها دور البطولة، مثل حرب 1973، وتحرير طابا، وكان الدكتور محمد البرادعى وباقى فرقته من حمدين صباحى وعلاء الأسوانى وممدوح حمزة، إلى جورج إسحق والإخوان ونشطاء الغبرة يتشفون ويتلذذون بحذف اسم مبارك وإزالته نهائيًا من كتب التاريخ، ومن فوق المنشآت العامة. وبما أن التاريخ له «مكر» كما قال الفيلسوف الألمانى الكبير «هيجل»، وبما أن التاريخ أيضًا «أخطر محصول أنتجته كيمياء الفكر»، كما قال الشاعر الفرنسى بول فاليرى، فإن دوائر الزمن دارت، وشرب من كان يتشفى فى حذف اسم مبارك من الكأس نفسها، وتم حذف اسمه من المناهج، حيث فوجئنا منذ أيام قليلة بقرار وزارة التربية والتعليم بحذف اسم وصورة الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية السابق، من كتاب اللغة العربية للصف الخامس الابتدائى بـ«الترم» الثانى من قائمة الحاصلين على جائزة نوبل.
وزارة التربية والتعليم قررت حذف اسم وصورة البرادعى فى «نشاط 3» ضمن الفقرة التى أوردت أسماء الشخصيات العامة التى حصلت على جائزة نوبل من الكتاب، وتضمنت أسماء الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والدكتور أحمد زويل، بينما كانت تحتوى ذات الفقرة على اسم الدكتور محمد البرادعى فى العام الدراسى الماضى وتم حذفه، مؤكدًا أن مركز المناهج، ومكتب مستشار اللغة العربية بالوزارة تلقى طلبات ومقترحات من بعض أولياء الأمور والمعلمين برفع اسم «البرادعى» من المنهج، بسبب مواقفه العدائية، وتصريحاته المحرضة ضد مصر، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.
طبعًا، وعقب انتشار خبر حذف اسم «البرادعى» أقامت فرقته حفلة «بكائيات وصراخ ولطم على الخدود وشق الهدوم»، وتحويلها وتصويرها على أنها كارثة إنسانية تتجاوز مخاطرها كارثة انفجار المفاعل النووى «تشرنوبل»، وتهدد بحرق الأخضر واليابس، وتناسى هؤلاء أنهم يشربون من نفس كأس ما فعلته أيديهم عندما طالبوا بحذف اسم مبارك ونظامه من كل شىء. وأتوقع أن يحاول البعض طرح سؤال: هل تصح المقارنة بين «البرادعى» باعتباره رسول الحرية، و«مبارك» رسول الفساد؟، والإجابة أن التاريخ لا يعرف لا برادعى ولا مبارك ولا هولاكو، ولا يُكتب حسب المزاج والأهواء الشخصية، ومشاعر الحب والكراهية، إنما التاريخ لا يعرف إلا لغة الحقائق، سواء كنت كارهًا لها، أو مؤيدها.
علاء الأسوانى وفرقته من «النحانيح» الذين يتحدثون باسم الشعب، وينصبون أنفسهم حاملى أختام الشرعية، يمنحونها لمن يشاءون وينزعونها ممن يشاءون، أقول لهم إن التاريخ سيذكركم فى أسوأ صفحاته، بما تفعلونه فى حق هذا الوطن، وتبنيكم شعارات جوفاء، ابتغاء وضعكم تحت دائرة الضوء فقط.. نعم الدائرة تدور، ويشرب «البرادعى» ورفاقه من نفس كأس تزوير وتزييف التاريخ بحذف «مبارك» وغيره من خصومهم السياسيين.