برحيل جورج بوش الأب تنطوى واحدة من أكثر صفحات السياسة العالمية تعقيدا، لعب بوش دورا مهما فى الفصول الأخيرة للحرب الباردة، منذ تولى رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم نائبا لرونالد ريجان، فى المرحلة التى أدارت فيها أمريكا أكثر الحروب بالوكالة عنفا وتعقيدا فى أفغانستان، حيث استغلت التدخل السوفيتى فى أفغانستان لتبدأ، بالتعاون مع حلفائها فى باكستان والخليج والشرق الأوسط، تمويل وتدريب أكثر الحروب الحديثة اتساعا وتعقيدا، وهى الحرب التى غيرت من خرائط القوة والنفوذ فى العالم.
وبقدر ما ساهم بوش الأب فى الحرب الباردة ساهم أيضا فى مولد النظام العالمى الجديد باختلالاته وما تولد عنه من تطور للإرهاب والعنف فى العالم، وأدار بوش وريجان إنشاء تنظيم القاعدة، وهو نفسه الذى سعى بوش الابن لمواجهته بعد سنوات على جبهات متعددة، منها أفغانستان.
يمثل جورج بوش الأب الرئيس الأمريكى الأسبق إحدى العلامات القوية فى عالم السياسة ومع هذا فإن حياته السياسية لم تخل من مفارقات، فقد شغل رئاسة المخابرات المركزية فى عام 1976 فى تصاعد الحرب الباردة والتى شهدت قمتها مع تولى رونالد ريجان رئاسة الولايات المتحدة، وهى الفترة التى كانت قمة الحرب الباردة، حيث أدارت أمريكا حربا بالوكالة ضد السوفييت فى أفغانستان كانت بمثابة القشة التى أنهت الاتحاد السوفيتى، وبالتالى فقد لعب جورج بوش دورا فاعلا فى الحرب الباردة، وهو نائب ثم بعد أن ترشح، وفاز بالرئاسة عام 1988، وفى عام 1989 انهار جدار برلين معلنا بداية النهاية للحرب الباردة، ثم أدار جورج بوش حربا لتحرير الكويت بعد احتلالها من قبل العراق ليشهد عهد بوش الخطوة النهائية لانتهاء الحرب الباردة وولادة نظام عالمى جديد بقطب واحد.
ومن المفارقات أن بوش الأب كان أحد أطراف تمويل ودعم المجاهدين الأفغان وتنظيم القاعدة ضد السوفيت الذى تولى قيادته أسامة بن لادن، وهو نفسه التنظيم الذى نفذ هجمات 11 سبتمبر ليبدأ جورج دبليو بوش الابن ما أسماه الحرب على الإرهاب ضد طالبان والقاعدة فى أفغانستان التى شهدت الفصل الأخير لانتهاء الاتحاد السوفيتى، نفذ بوش الابن غزو العراق بمزاعم امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل مع وعد بدمقرطة العراق و غزا العراق وفكك مؤسساته السياسية والأمنية لتبدأ مرحلة داعش والنسخة الجديدة من التنظيمات الإرهابية.
جورج بوش الأب نائب رئيس الـ«سى آى إيه»، عجز عن الفوز بفترة رئاسية ثانية على الرغم من إنجازاته وخسر فى انتخابات أمام بيل كلينتون، بينما فاز بوش الابن بفترتين رئاسيتين، بالرغم من أن بوش الابن لم يكن بكفاءة الأب، بل إنه استسلم لليمين الأمريكى وساهم فى خلخلة النظام العالمى والإقليمى ما أدى إلى تفجير الصراعات العرقية والطائفية، حيث لم يصبح العالم أكثر أمنا.