يسخرون منك إذا تحدثت عن الأطماع التركية فى المنطقة، ويخرسون تماما حينما تأتيهم بالدليل من فم تركى أصيل.
لم يعد الحديث عن طمع تركيا فى ممارسة دور إقليمى مسيطر ومستحوذ غريبا أو «فضفضة» دراسات مستقبلية أو كلمات فى إطار تنظير يخالف الواقع، بل أصبح الأمر ضرورة ملحة فى ظل التحركات التركية لزرع أفكار الخلافة وعودة تركيا لريادة العالم الإسلامى من جديد، حاول الأتراك من بعد 2011 أن يزرعوا أفكارهم مستخدمين مرتزقة فى ثوب جماعات وتيارات سياسية مثل الإخوان المسلمين، ولكن مساعهم خاب بخروج الإخوان من دوائر السلطة والثقة فى مصر وسوريا والخليج العربى، لذا كان على أردوغان أن يبحث عن طريق آخر يروى بها أفكاره وأطماعه ويزرعها مجددا فى عقول الأجيال الجديدة فى الدول العربية والإسلامية.
لم تخترع تركيا أسلوبا جديدا لتمرير أفكارها، بل استفادت من التجربة المصرية فى الاستحواذ على عقل ووجدان العالم العربى فى عقود مضت مستخدمة فى ذلك قوتها الناعمة دراما وسينمائيا، وبدأت الدراما التركية تغزو العالم العربى وتؤثر فى منازله وتكوينه الاجتماعى والنفسى، لا أحدثك هنا عن حالات الانبهار بنور ومهند أو المنازل وجمال الطبيعة والتصوير فى المسلسلات التركية، بل أحدثك عن تسويق ممنهج لكل الأفكار والأنماط الاجتماعية التركية التى تم بثها فى عقول المسلمين والعرب مع المرحلة الأولى للعبة الدراما التركية فى المنطقة.
تركيا بدأت اللعبة الدرامية بشكل تدريجى، الخطوة الأولى كانت خطوة الجذب بقصص اجتماعية مثيرة وصورة لجمال ونظافة وتحضر تركيا، وفى خطوتها الثانية بدأت بعض من التشويق والجذب للتاريخ التركى والسلطنة العثمانية كما ظهر فى «حريم السلطان»، والآن تبدأ فى الخطوة الأخطر ممثلة فى مسلسل السلطان عبدالحميد، سلاح تركيا الجديد لتزييف الحقائق والتاريخ وتحقير الدور العربى والمصرى ورفع شأن فكرة الخلافة التركية وتقديم عمل درامى له هدف واحد يقول بأن الإسلام لن يكون فى أمان أو عز أو تقدم إلا إذا عادت راية الخلافة العثمانية أو التركية مجددا.
ما يبثه مسلسل السلطان عبد الحميد من سموم وأفكار هى فى أصلها تعبر عن المنهج الإخوانى ورسائل حسن البنا وكتبه وفلسفته التى تهدف إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو الخلافة، لا يمكن أن تتعامل معها بشكل منفصل عن التصريحات التركية الرسمية التى تعزز فكرة ضرورة ريادة تركيا للعالم الإسلامى، تحت راية الخلافة لحماية الإسلام واسترداد كرامة الإسلام المفقود.
فإذا كانت حلقات الدرامية لمسلسل السلطان عبد الحميد التى تحقق نسب مشاهدة عالية فى مختلف الدول العربية والإسلامية، ووصلت إلى ملايين المشاهدات والمتابعين فى دولة مثل إندونسيا، تروج لهدف واحد دائم على لسان السلطان عبد الحميد يقول بأنه لا إسلام بدون تركيا ولا تركيا بدون إسلام، فإن رئيس البرلمان التركى «يلدريم» يقول فى الواقع نفس المعنى، ويؤكد عليه كما قال فى كلمته، خلال الدورة الحادية عشرة لاجتماع «الجمعية البرلمانية الآسيوية» فى إسطنبول: السلام والاستقرار انتهى واختفت الأخوة فى المنطقة بعد انتهاء الدولة العثمانية.
تلك هى رسالة تركيا الجديدة التى تسعى بكل قوة إلى زرعها فى نفوس وعقول الأجيال الجديدة فى مختلف دول العالم الإسلامى.
بخلاف ما يقدمه مسلسل السلطان عبد الحميد من خدمة تحسين لصورة السلطان العثمانى بوجبة أكاذيب ومبالغات تاريخية واضحة، يبقى الحشو الدرامى فى كل مشاهد المسلسل هدفه واحد ووحيد، وهو تفخيم وتعظيم فكرة قوة وكرامة الفرد التركى، وأنه هو حامى الإسلام الذى كان يذل أعناق الرجال فى بريطانيا وأمريكا وروسيا وفرنسا وألمانيا، ويبدو ذلك جليا فى الكلمة التى يتم تكرارها على لسان السلطان عبد الحميد فى المسلسل وهو يتحدث عن علم الخلافة قائلا: أما الهلال فهو الإسلام وأما النجمة التى يحتضنها فهى تركيا، ويجب على الجميع أن يعلم أنه لا هلال بدون نجمة ولا نجمة بدون هلال، تلك رسالة تركيا الدرامية المسمومة، تربط الإسلام وعزته وكرامته بعودة الخلافة التركية مجددا، وبحلم أردوغان فى السلطنة.