إذا لم تتوافر القوة العسكرية لحماية الاقتصاد فلا جدوى أو فائدة من الاقتصاد بالأساس، لأنه ببساطة شديدة سيكون مباحا ومستباحا من قبل قوى الشر والتطرف، تلك هى القاعدة الأساسية التى يستند إليها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى فهمه لمتطلبات تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر الحالى، وهو ما يؤكد أن لديه رؤية اقتصادية واضحة المعالم، وهى أننا "لن نستطيع الصمود إذا لم نستمر فى الصعود".
ومن هنا بدأ الرئيس التحرك الحثيث فى عدة محاور، حتى ظهرت فكرة معرض إيدكس 2018 للصناعات العسكرية لأول مرة فى مصر، والذى من شأنه أن يحقق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها: الهدف السياسى، فمنذ 30 يونيو انقسم العالم ما بين مؤيد ومعارض للرئيس، وهذه الدول بدأت بالفعل تتخذ عددا من الإجراءات التى من شأنها تعطيل وتيرة العمل فى مصر على مستوى منع المعونات العسكرية من ناحية، وتصدير الإرهاب والجماعات المسلحة من ناحية أخرى، وعلى جانب آخر تقليل فرص الاستثمار وغيرها من مظاهر من شأنها أن تدفع عجلة التنمية فى البلاد.
ومن ثم فإن وجود هذه الدول الآن وفى هذه اللحظة التاريخية الفاصلة من عمر مصر، وحرص هؤلاء جميعا على التقاط الصور التذكارية مع الرئيس السيسى، لهو أكبر دليل على اعترافها بقدرة مصر على الصمود والتغلب على كل الصعاب، والتعامل مع المواقف التكتيكية الطارئة بحنكة وذكاء يكفلان لها تحقيق الأهداف الاستراتيجية فى المستقبل.
إذن وجود معرض مثل إيدكس 2018 فى مصر اليوم ما هو إلا اعتراف رسمى من دول العالم تلك بأن مصر تستطيع أن تقيم معارض دولية رفيعة المستوى، خاصة فى مجالات التسليح العسكرى، بل إننا نمتلك المقومات الأساسية اللازمة لإقامة مثل هذه المعارض من شبكات طرق محترمة وفنادق فخمة لإقامة الزائرين، ووسائل مواصلات جيدة ومريحة، فضلًا عن الأمن والأمان الذى يشعر به الزائر أثناء فترة وجوده على أرض مصر، وحرفية تعامل القائمين على الأمن فى المواقف الطارئة.
كما أن وجود هذا المعرض فى هذا التوقيت الحساس، على حد قول اللواء أركان حرب طارق سعد زغلول، رئيس هيئة التسليح بالقوات المسلحة، يوجه رسالة للعالم أن مصر مستقرة رغم الإرهاب الأسود الذى عانينا منه منذ عام 2013، كما أنه أكد قدرتنا على أن نسيطر على أكثر من 90% من الإرهاب المحصور وجوده بمنطقة محددة بشمال سيناء، وأيضاً توجيه رسالة قوية للعالم بأننا قادرون على عمل معارض دولية كبرى فى السلاح، فنحن لم ننظم معرضاً للسلاح من قبل، ورغم ثورتا يناير ويونيو إلا أن مصر تظل صامدة فى مواجهة قوى الشر العالمية، وذلك على الرغم من أن هنالك بعض الدول التى قامت بها ثورات، لكنها لم تقم وتعود للبناء مجدداً - مثلا فرنسا - إلا بعد سنوات عديدة من الثورة.
كما أن الحضور الكبير من جانب الدول والشركات من وجهة نظرى الشخصية يدل على عمق العلاقات المصرية مع كل دول العالم، فنحن منفتحون على دول الغرب والشرق معا، ومصر لديها علاقات قوية مع أشقائها العرب، والذين حضروا مميزا وبكثافة كما لاحظنا، مثل مشاركة دول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
رئيس هيئة التسليح أوضح أيضا أن المعرض يعد رسالة لتنشيط السياحة فى مصر، ومن أهدافه الكبرى توصيل رسالة الاستقرار لكل دول العالم، فالسياحة كانت مصدراً قوياً للدخل القومى فى مصر، ولعل مشاركة عدد من الدول بوفود رسمية إشارة لكل العالم أن مصر آمنة، بل إنه خير ترويج لبلدنا، خاصة أنه سيقوم الوفد المشارك بنقل صورة لمصر التى رآها إلى بلده، وبذلك يكون العائد سياسياً واقتصادياً، كما أنه سيفتح آفاقا للتعاون مع كل الدول المشاركة، وكل الجهات والوزارات سيعود عليها بالنفع، فمصر أصبح لها ثقل كبير الآن، ولها سحر على مستوى العالم، ويجب أن نعتز ونفخر أننا مصريون.
ويبرز الهدف العسكرى كهدف ثان لإقامة معرض إيدكس 2018، حيث إنه يتيح هذا النوع من المعارض الفرصة للعسكريين والقائمين على مهمة تسليح الجيش للتعرف على أحدث ما وصل إليه العلم العسكرى فى مجالات التكنولوجيا المعقدة، وهنا تجد مصر الفرصة سانحة كى تعرض خبرتها التى تجاوزت سبع سنوات فى مواجهة الإرهاب، وما توصلت إليه من تطوير معداتها العسكرية لمواجهة الجماعات المتطرفة، حتى يمكن أن تستفيد بها باقى الدول، لأنه لا يوجد الآن فى العالم بأثره بلد محصنة من خطر الإرهاب الأسود، ولنا فى فرنسا وبلجيكا خير مثال فى ذلك، بل ربما باقى دول أوروبا أيضًا.
كما أن وجود وزراء دفاع ورؤساء أركان دول أخرى فى إيدكس 2018 يعنى أن كل هذه الدول سوف تعرض الشراكة مع مصر فى إنتاج وتصنيع المعدات العسكرية، لما تمتلكه مصر من إمكانات تصنيعية هائلة سواء من خلال المصانع الحربية أو الهيئة العربية للتصنيع أو شركة البصريات، فضلا عن نقل الخبرة التصنيعية لمختلف المعدات العسكرية، والخبرة التكنولوجية التى وصلت إليها مصر مؤخرا.
ولعل كلمة الفريق أول محمد زكى، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، كانت كاشفة أكثر وبشكل واضح لهذا الهدف، عندما قال: إن هذا التجمع الدولى سيتيح الفرصة أمام الدول والشركات المنتجة لنظم التسليح ومنظومات الدفاع، لعرض أحدث ما وصل إليه العلم العسكرى فى مجال الإنتاج والتصنيع العسكرى من تقنيات حديثة وقدرات دفاعية متطورة، وخلق تجمع عسكرى راقٍ يتم خلاله عرض المبتكرات وتبادل الخبرات وتنمية روابط العلاقات بين الدول فى المجالات العسكرية ومجالات الإنتاج الحربى.
وأكد وزير الدفاع المصرى فى كلمته فى افتتاح فعاليات المعرض على الواقع الحالى أنه لا بد للسلام من قوة تحميه، وتؤمن استمراره، وهذا واقع ستلمسونه بأنفسكم، ويشاهده العالم معكم، ويؤكد قدرة مصر على تنظيم هذه الفعاليات الدولية الرفيعة فى أمن واستقرار، انطلاقا من أن القوات المسلحة المصرية كانت ولا تزال الحصن الأمين لمقدرات هذه الأمة، ومن هنا فقد سعينا لامتلاك مقومات القوة ليس إلا سعيا للحفاظ على أمنها وسلامتها فى عالم يمر بالصراعات، وأن من يمتلك فيه مفاتيح القوة هو القادر على صنع السلام.
ونتطلع معكم - يضيف الفريق أول محمد زكى - نحو مستقبل تجتمع فيه كل الثوابت التى تزيدنا إصرارًا على المضى قدما فى تقديم كل عمل من شأنه أن يمكنا من الالتزام بالدفاع عن مقدرات شعوبنا، مؤكدًا فى النهاية بأن الجيش المصرى، وكعادته، هو أعظم من تحدى المخاطر مهما تعاظمت، معتصمًا بقوته ووحدته وساعيا لامتلاك أرقى ما فى العلم من نظم التسليح بأيدينا وبالتعاون مع الأسر الدولية، ولسوف يظل هذا الجيش حارسا وحاميا لهذا الوطن، نسعى يسعى لامتلاك القوة لدحر أى عدوان على أرض مصرنا الغالية فى تعاون وثيق مع الدول المحبة للأمن والسلام، وانه ليس أمامنا من سبيل إلا الأخذ بأسباب العلم والقوة والتحلى بالمبادئ السامية التى تحفظ للأمم والشعوب وحدتها وقدرتها لنحافظ جميعا على حاضرنا ومستقبلنا.
أما الهدف الثالث والأخير لإيدكس 2018 فهو هدف اقتصادى، ما يعنى وجود شركات متخصص فى الصناعات العسكرية فى المعرض والتى قامت بتأجير أماكن لعرض منتجاتها وحجز غرف فى الفنادق لإقامة أعضائها أتاحت الفرصة للتعرف على مصر، مما ساعد فى احتمالية إقامة هذه الشركات فروع لها فى مصر وهو ما سيعود بدوره على تنشيط الاقتصاد المصرى.
أيضا وجود أكثر من 10 آلاف زائر فى مكان واحد على أرض المحروسة وداخل العاصمة وشعورهم بالراحة والحرية فى التنقل سيساعد على نقل صورة مشرفة لمصر فى الخارج، مما يجعل هؤلاء يتشوقون للعودة مرة أخرى، إضافة إلى أن وجود وزراء دفاع وممثلين عنهم لمعرفة آخر ما توصل إليه التصنيع المصرى يعمل على إمكانية عقد صفقات لتصدير المعدات العسكرية المصنعة فى مصر للخارج خصوصا جناح محاربة الإرهاب لما نمتلكه من خبرة فى هذا المجال.
إذن لدينا ثمة مؤشرات عديدة تؤهل مصر لكى تُشكِّل مقصدًا للاستثمار الدفاعى والعسكرى، تتركز بالأساس فى ثقل قدرات المؤسسة العسكرية المصرية، فضلًا عن عراقتها التاريخية، والقدرة على المعاصرة والتحديث بشكل دائم، بناء على ما شكلته خبراتها التراكمية فى الحفاظ على كيان وقوام الدولة المصرية وصيانة مقدراتها، ما منحها فرصًا لتعظيم مكاسب قوتها الشاملة، وهو ما يمكن تأكيده على النحو التالى بحسب الباحث أحمد عليبة:
أولا: فى مجال تحديث البنية التحتية العسكرية فقد برز خلال السنوات الأربع الماضية (2014-2018) أن شهدت مصر طفرات نوعية فى مجال التسليح، وقد ظهرت فى إبرام صفقات تسلح نوعية فى كل المجالات العسكرية البرية والجوية والبحرية، ولعل أبرز هذه الصفقات حاملتا الطائرات الميسترال "عبد الناصر والسادات"، والفرقاطات "جويند وفريم"، والغواصات 902 الألمانية، وطائرات الرافال الفرنسية، كما شهدت طفرة فى بناء وإعادة تأهيل القواعد العسكرية، كتأسيس قيادة الأسطول الجنوبى وبناء قاعدة محمد نجيب العسكرية فى شكلها الجديد.
ثانيا: تطوير البنية الأساسية العسكرية لتنمية قدرات المقاتل المصرى، وهو حجر الزاوية فى قوة مصر العسكرية، وذلك من خلال عدة مسارات، منها مسار تطوير المؤسسات التعليمية العسكرية، وذلك وفق أحدث برامج العلوم العسكرية الدولية، وتأهيلها لتشكل قاعدة لدعم بناء الصناعة العسكرية الوطنية، وهو ما ظهر فى إقامة العديد من المعارض الخاصة بالابتكارات، والمشاركة فى الفعاليات العلمية الدولية فى المجال العسكرى، ومسار رفع الكفاءة القتالية من خلال التدريبات النوعية.
ثالثا: بناء قاعدة تصنيع عسكرية وطنية متقدمة فى ظل تبنى مصر لاستراتيجية توطين الصناعات العسكرية التكنولوجية المتقدمة، وكان من أبرز ما أنتجته نسخة مصرية من الفرقاطة "جويند" بالتعاون مع "نافال جروب الفرنسية"، وصناعة العديد من القطع البحرية الصغيرة والمتوسطة لسد احتياجات الأسطول البحرى المصرى.
رابعا: توسيع آفاق التعاون العسكرى الإقليمى والدولى التى شملت عدة مسارات على الصعيدين الإقليمى والدولى بمعدلات غير مسبوقة، ومنها: إبرام اتفاقيات وتوقيع بروتوكولات تعاون عسكرى مع القوى الدولية والإقليمية، وإبرام صفقات تسلح فى إطار استراتيجية تنويع مصادر السلاح، ثم التصنيع العسكرى المشترك، وكذلك التوسع فى التدريبات والمناورات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف الدولية كمناورة "النجم الساطع"، و"تحية النسر" مع الولايات المتحدة، و"حماة الصداقة" مع روسيا، ومناورة "ميدوزا" مع قبرص واليونان، و"كليوباترا" مع فرنسا، وأخرى عربية أبرزها "رعد الشمال"، و"درع العرب".
وكل ذلك بالطبع يعد تقدما اقتصاديا يمكن أن يمنحنا الفرصة للتقدم فى مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يظهر من مؤشرات انحسار ظاهرة الإرهاب فى مصر، وأبرزها حاليًّا "العملية الشاملة سيناء 2018"، فضلًا عن التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب إقليميا ودوليا من خلال تبادل الخبرات والمعلومات الاستخبارية.
إذا دعونا الآن نعترف أننا أمام رئيس دولى، وليس إقليميًا أو محليا، يستطيع أن يحسب خطواته جيدا، ويعرف كيف وأين ومتى يتحرك فى وقت يموج فيه العالم بالإشكاليات، ويتوحش فيه خطر الميليشيات والجماعات الإرهابية المتطرفة؛ ليوجد فى النهاية مساحة كبيرة لبلده مصر المحروسة، وسط هذا العالم المضطرب، وهو فى ذلك يسير وفقًا لنظرية موضوعة مسبقًا، وهى أننا "لن نستطيع الصمود.. إذا لم نستمر فى الصعود".. فتحية تقدير واحترام للرئيس عبد الفتاح السيسى فى سعيه دوما لحماية مقدرات وطن وأمة فى خطر!.