تاريخ فى حفظ الهوية
فى الأيام القليلة الماضية كان التوتر أمرًا أساسيًا فى الشارع الثقافى العربى، فقد رحل المفكر الكبير جورج طرابيشى، وبعده رحل المفكر الكبير أيضًا على مبروك، ومن قبلهما تحدث الجميع عن المجلات الثقافية المهمة المهددة بالإغلاق، والمجلات اللبنانية التى تعانى بسبب المشكلات المادية، وانتهى الأمر بمفاجأة غلق «دار الصدى» ومطبوعاتها المتعددة، بما يعد خسارة كبيرة للمثقفين العرب، والحمد لله أن مجلة «العربى» الكويتية لم يصبها شىء، وكان الأمر مجرد شائعة، بل علمنا أيضًا أن المجلة تُعاد هيكلتها للأفضل، كى تتحول لما يسمى بـ«مؤسسة العربى»، وهذا شىء إيجابى فى ظل هذا القلق الثقافى العام الذى نعيش فيه.
ومجلة «العربى» بعمرها الطويل- حيث كان إصدارها الأول -1958 تتميز عن كثير من المجلات الأخرى بأنها تملك مقومات نجاحها فى داخلها، وربما يأتى ذلك انطلاقًا من تعريفها بنفسها «مجلة شهرية ثقافية مصورة يكتبها عرب ليقرأها كل العرب»، ومن هذا التعريف حرصت المجلة أن تكون مناسبة لجميع الثقافات العربية المتغايرة والمختلفة، وليست مقصورة على ثقافة الكويت أو منطقة الخليج، فالمتابع لأبوابها المتنوعة عبر سنواتها الطويلة، والتى كان على رأسها «مرفأ الذاكرة، وجهًا لوجه، جمال العربية، مكتبة العربى، البيت العربى، الاستطلاعات والتحقيقات، علوم»، والمتأمل لاهتمامات المجلة البصرية والتربوية والنفسية والأدبية والحوارات، يعرف هذا التنوع الذى تحرص هذه المجلة على إيجاده فى الثقافة العربية، وذلك انطلاقًا من كون مفهوم الثقافة لديها متسعًا، ويشمل جوانب متعددة، وليس مقصورًا أو نخبويًا.
وهذا الاتساع المعرفى فى أبواب المجلة صنع قارئًا متنوعًا على مستوى الوطن العربى، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المشاركات الشعرية، أو مسابقات التصوير، أو تعليقات التصويب التى ترد للمجلة من قرائها، كذلك فإن موضوعات المجلة ومطبوعاتها الأخرى تكشف تنوع عمر متابعيها، فبجانب التنوع المكانى والثقافى هناك أيضًا التنوع العمرى، فللأطفال نصيب، وللشيوخ أيضًا ما يمكن أن يقرأوه فى هذه المجلة الحافلة بالإفادة، والإمتاع فى الوقت نفسه.
لذا فإن تحويل هذه المجلة لمؤسسة يعتبر خبرًا سارًا وجيدًا، ويكشف اهتمام وزارة الإعلام الكويتية، والشيخ سلمان الحمود الصباح، وزير الإعلام الكويتى، بهذه المجلة والسعى لتطويرها، لأنها تعد نافذة قوية وضرورية للثقافة العربية، فالتراكمات التى حدثت عبر تاريخ المجلة الطويل لا يمكن تعويضه أبدًا، والمعروف أن العالم العربى فى حاجة ملحة لمثل هذه المجلات للمحافظة على شخصية العربى المستقلة، والهوية العربية، فى ظل التغيرات العالمية التى تسعى لإلغاء الخصوصية، وفرض ثقافات عالمية يذوب فيها الجميع، أو فرض ثقافتهم الخاصة علينا.