لا أفهم لماذا كلما أثير موضوع استعادة «رأس نفرتيتى»، تطوع البعض الحديث بلا فهم أو وعى ليقولوا كلاما على قدر كبير من الزيف المدعوم بالبهتان، والحقيقة قابعة فى ملفات وزارة الآثار فى عصرها الذهبى وقت أن كانت تحت إدارة الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، فقد أعدت الوزارة وقتها ملفا قانونيا مدعوما بالوثائق التاريخية القاطعة والتى تؤكد لكل ذى عين أن لمصر وحدها الحق فى هذا الرأس الخلاب، ولهذا لا أفهم على الإطلاق تقرير هيئة مفوضى الدولة الذى زعمت فيه أن المباحثات الودية هى السبيل الوحيد لاسترداد هذا الرأس، فالقانون معنا والحق معنا والمواثيق الدولية معنا، وقد اعترفت ألمانيا بحق مصر فى استرداد رأس نفرتيتى وقت حكم هتلر، فرجاه علماء الآثار الألمان وقتها بأن يذهب ليرى الرأس بنفسه قبل أن يعيدها، وحينما ذهب قرر أن يبقيها فى ألمانيا، لا لأن ألمانيا لها الحق، ولكن لجمال الرأس وعبقريته، تماما كما يحتجز أحد زوجتك ولا يريد أن يردها إليك، ليس لأن زواجكما باطل ولكن لأنها جميلة.
على أى حال فالشكر لله واجب هنا، لأن محكمة القضاء الإدارى قررت نظر الدعوى فى القضية فى 2 فبراير المقبل، وإنى لأوصى المحكمة والمحامين والرأى العام كله بالاضطلاع على كتاب المستشار الروائى أشرف العشماوى «سرقات مشروعة» الذى كان مكلفا بإعداد ملف استرداد رأس نفرتيتى فى وزارة الثقافة والتى أثبت فيه أن الرأس مصرية 100٪ فقد اكتشفت الرأس فى العام 1912 على يد عالم الآثار الألمانى لودفيج بريخردت ودون فى مفكرته أن هذا الرأس لملكة مصرية وليس لأميرة، ومن شكله وملمسه ووزنه عرف بالتأكيد أنه من الحجر الجيرى، وليس من الجبس، ووقتها كان القانون يسمح لمن يكتشف آثارا أن يحصل على نصف ما يمتلكه بشرط أن يشرح فى دراسة علمية نتائج حفائره وبيانات الآثار المكتشفة، وهو ما لم يحدث، وحينما اتبعت إجراءات القسمة، قام المدعو «بريخردت» بالتدليس الأشهر فى تاريخ الآثار المصرية، حيث تعمد الكذب وادعى أن الرأس لأميرة وليس لملكة، وأنه من الجبس وليست من الحجر الجيرى، ثم عرض صورا فوتوغرافية غير واضحة على لجنة قسمة الآثار، وهو أمر غير قانونى، ما يؤكد أن الأمر برمته ليس أكثر من «نصب فى نصب».
العجيب فى الأمر أن الألمان يدعون أنهم حصلوا على ذلك الرأس بشكل شرعى، ويوافقهم فى هذا الرأى بعض أصحاب المصالح، متغاضين بذلك عن كل الأسانيد القانونية الداعمة للقضية، حيث نص القانون المعمول به وقتها فى مادة 133 على أنه: «لا يكون الرضاء بين طرفى القسمة صحيحا إذا وقع عن غلط أو حصل بإكراه أو تدليس»، كما نص فى المادة 136 على أن «التدليس موجب لعدم صحة الرضاء إذا كان رضاء أحد المتعاقدين مترتبا على الحيل المستعملة له من المتعاقد الآخر بحيث لولاها لما رضى»، فلماذا نتعامى عن الحق والحق أكيد؟!