السيدة «نحمدو سعيد عبدالرازق» تلخص المفهوم الجديد للقدوة فى مصر الناهضة التى تسعى إلى استعادة مكانتها بين الأمم، بلدنا لا تحتاج فقط إلى مشروعات عملاقة تحت إشراف الدولة، ولا تحتاج فقط إلى مدن جديدة مليونية لمواجهة الزيادة المطردة فى السكان وحصار العشوائيات، ولا تحتاج فقط إلى المئات من المصانع والمشروعات، بل هى تحتاج إلى جهد كل فرد من أفرادها، ليس هذا فحسب بل تحتاج بالضرورة إلى إعادة الاعتبار للفئات التى همشناها خطأ، وقللنا من قدرها بهتانا وخصمناها من قدرتنا الجمعية بغرابة.
السيدة نحمدو سعيد عبدالرازق هى عنوان للتحدى وانتصار القدرة الخلاقة على العقبات والظروف والعادات الخاطئة، بل وعلى المنطق المباشر الذى يغفل الطاقات الإنسانية الكامنة فى الظروف الاستثنائية، هى اختصار لمصر فى ظروفها الحالية، فمن كان يصدق أن مصر التى عانت من الإهمال وسوء الإدارة وغياب التخطيط لعقود طويلة يمكنها أن تعود بهذه القوة؟ ومن كان يصدق أن مصر التى حوصرت بالفوضى والإرهاب الممول من الخارج والجماعات التكفيرية فى الداخل وضرب الموارد الأساسية لاقتصادها أن تقف على قدميها وأن تواجه كل ما يراد لها بشجاعة وأن تقهر التحديات والصعاب.
السيدة نحمدو رغم ظروفها الصعبة ومسؤولية أبنائها الأربعة لم تسأل الناس، ولم تلجأ للجمعيات والمنظمات الأهلية التى تساعد وتدعم، ولم تطلب معاشا من التضامن، ولو فعلت كل ذلك ما لامها أحد ولوقفوا إلى جوارها، فهى سيدة تحمل على عاتقها مسؤولية أربعة من الأبناء، لكنها اختارت الطريق الصعب، اختارت التحدى، وما أصعبه من تحد، فهى لم تعمل ببيع الخضراوات مثلا، وهو عمل شريف بالطبع، ولم ترتكن إلى قرض لفتح محل بقالة صغير فى منطقتها، وهو عمل مشروع بالطبع، بل اختارت عملا شاقا، ويتضمن نسبة من المخاطر ويحتكره الرجال تقريبا، وهو قيادة ميكروباص لنقل الركاب على الطرق السريعة والخطوط الطوالى.
يا رب العباد، الظروف اقتضت أن تواجه السيدة نحمدو المخاطر لتستطيع احتواء ما يتطلبه بيتها وأبناؤها، فكان أن خالفت التوقعات وتحدت الواقع والعادات الخاطئة، أليست السيدة نحمدو نموذجا للمرأة التى جرى تهميشها، والحط من قدرها ظلما وعدوانا على أيدى الجماعات الإرهابية والتكفيرية؟ أليست السيدة نحمدو مثالا يكذب مشايخ السوء وفقهاء الظلام ومفسدى العقول الذين حجزوا المرأة المصرية وراء قطعة النقاب والاستمتاع الذكورى بها فى البيوت المغلقة، وخصموا قدرتها وطاقتها وهى نصف المجتمع من الطاقة الإنتاجية الكلية للبلد؟ أليست السيدة نحمدو فى ذاتها عنوانا للتنوير ومفتاحا للنهضة المرجوة ومصطلحا يلخص كيفية مواجهة التخلف؟!
نعم، السيدة نحمدو تلخص فى مسار حياتها وفى خياراتها حركة بلد بكامله، يسعى إلى النهضة والارتقاء كما يسعى إلى التنمية الشاملة، لكن ما يكبله كثير وتطلعاته أكبر كثيرا من الإمكانات الظاهرة، لكنه يراهن على القوة الكامنة، واستدعائها فى ظل ظروفه الاستثنائية لقهر ما يواجهه من صعاب، السيدة نحمدو لم تأت بجديد على مستوى أن المرأة المصرية قادرة على الاضطلاع بكل الوظائف والمهام التى يتولاها الرجال، فهناك مئات وآلاف النساء المصريات قدمن ويقدمن عبر الأجيال نموذجا باهرا للقوة والتحمل وتحدى الصعاب، لكن ما فعلته السيدة نحمدو أنها أعادت التأكيد على قيم المساواة والتوظيف الأمثل للسيدات اللائى يشكلن نصف المجتمع، فى عصر تسود فيه الردة والتخلف والأفكار الهدامة بشأن قيمة المرأة وعملها.
وما احتفاء القيادة السياسية بالنموذج الكادح للمرأة المصرية وتعظيم قدرها بإسناد عديد من الحقائب الوزارية إليها إلا نوع من رد الهجمة البربرية المتخلفة على سيدات مصر والاحتفاء بقدرتهن على العمل والإبداع والإضافة فى جميع المجالات.
نعم السيدة نحمدو سعيد عبدالرازق هى أيقونة الكفاح المشرف التى تعيد الاعتبار للمرأة المصرية ويحتفى بها المجتمع وقياداته.