منذ أن وعينا على الدنيا ونحن نعرف أن التعليم عندنا يقوم على الحفظ والتلقين، وترسخ مفهوم الطالب المتفوق أنه الطالب الذى يستطيع حفظ المواد الدراسية أكثر من غيره ويستطيع استظهار الإجابات النموذجية على الأسئلة الموضوعة سلفًا فى كتب وزارة التعليم والكتب الخارجية، أما الطالب الذى يفكر أو الطالب الذى يبدع ويشق لنفسه طريقًا آخر غير هذا التراكم المحفوظ، فمصيره الفشل والرسوب والوصم بأنه غير ملتزم ومخرف.
ماذا أنتج نظام الحفظ والتلقين عندنا عبر استمراره عقودا طويلة؟ أنتج نموذج الطالب الذى يحصل على مجموع 105% يعنى الدرجات النهائية فى كل المواد المحفوظة بالإضافة إلى المستوى الرفيع، لكن هذا الطالب لا يفكر ولا يبدع وغالبًا ما يكون طبيبًا ممارسًا عامًا لا يفقه شيئًا أو مهندسًا حكوميًا ناقمًا على حياته أو صيدليًا يبيع الأدوية ولا يساهم فى تركيبها أو تخليق دواء جديد، كما خلق لدينا مجموعات من المافيا والمنتفعين شديدة الخطورة، منها مافيا الدروس الخصوصية ومافيا ناشرى الكتب الخارجية وهؤلاء يتحكمون فى اقتصاديات كبيرة للغاية ويرتبطون بكل أسرة بمصر، ومن ثم ينشرون الوهم بأن أى مساس بنظام التعليم الحالى هو تدمير للمجتمع المصرى.
أولياء الأمور بحكم العادة والتاريخ، لا يريدون من الدنيا إلا أن ينجح أبناؤهم فى المسار التعليمى حتى لو قضوا ستة عشر أو سبعة عشر عاما فى التعليم وحصلوا على شهادة جامعية ثم بدأوا من الصفر عمالا باليومية أو مندوبى مبيعات، فالشهادة كورقة داخل برواز معلقة على الحائط أهم من النجاح الخلاق فى أى مهنة أو أى مشروع خاص أو تحقيق الشاب لذاته من خلال عمل ما يحبه، وهذه الصورة المظهرية الفاشلة، أدت بنا إلى أن مجتمعنا به متعلمون غير متعلمين، ومهنيون غير مهنيين وحرفيون غير حرفيين، وتراجعت إلى حد كبير مستويات الجودة والإتقان فى مختلف المهن والأعمال، ناهيك عن الإبداع والابتكار والإضافة إلى العالم فى أى شىء أو أى مجال.
وعندما ساءت الأحوال إلى حد الظاهرة العامة، كان لابد من وقفة حقيقية للدولة المصرية والقائمين على شؤون التعليم، بعد أن سبقتنا دول صغيرة فى المنطقة فى مستويات التعليم والإبداع والابتكار وكذلك فى العمالة الماهرة والفنيين المتقنين لأعمالهم والمهنيين الأكفاء، وحتى يمكن تدارك الخطأ التاريخى الذى غرقنا فيه حتى وصلنا إلى الفشل الكامل، كان لابد من إيجاد منظومة تعليمية جديدة عكس تلك القديمة البالية المعتمدة على الحفظ والنسيان وتؤدى إلى خريجين لا يفقهون شيئًا ولا يفكرون، كان لابد من بناء بنك العرفة المصرى.
بنك المعرفة المصرى لطلاب المدارس والجامعات والباحثين والعاملين فى جميع المجالات من الطب إلى الهندسة والقانون والبحث العلمى والتجارة والعلاقات الدبلوماسية والدولية، أكبر دائرة معلوماتية ومعرفية وعلمية وكبريات المجلات والدوريات المتخصصة فى العالم، متاحة أمام جميع المصريين فى مكان واحد بالعربية والإنجليزية، كما أن النظام التعليمى الجديد يقوم على رسالة واحدة مهمة، دعك من آليات الحفظ القديمة وفكر من خلال المعلومات الهائلة المتوفرة لديك فى أى صيغة للإجابة عن الأسئلة المطروحة عليك فى الامتحانات، لن نعطيك صيغًا محفوظة ولكننا سنقبل منك أى صيغة صحيحة ومعلوماتية تتوصل إليها من خلال القراءة والبحث داخل بنك المعرفة.
والامتحانات المقررة عليك لن تلزمك بنموذج إجابة مثالى، ولن تكون متشابهة ومعممة مثل أسئلة الثانوية العامة القديمة التى يجرى تسريبها وحلها وتوزيع الإجابات على الطلاب فى اللجان بالإنترنت عبر الموبايل وغيرها من أدوات الغش الحديثة، أنت لن تكون محتاجًا إلى الغش، لأن التعليم سيتحول إلى متعة وطريقة فى التفكير والتقديرات والدرجات التى ستحصل عليها هى تقديرات لجهودك فى التفكير والتوصل إلى المعلومات من أى دائرة معرفية.