فى الجلسة قبل الختامية بمنتدى أفريقيا فى دورته الثانية 2018، قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بمداخلة قصيرة فى حضور حشد كبير من رجال الأعمال الأفارقة والمصريين، وقال الرئيس نصا إن الأمن والاستقرار فى أفريقيا هما الاستثمار وليس أى شىء آخر، وعلى الرغم من قصر العبارة لكنها كعادة الرئيس فى حديثه فى مثل هذه المحافل الدولية والإقليمية تكون عباراته موجزة ومباشرة وجامعة للموقف الراهن، ولذلك أحيانا كثيرة تكون عبارة الرئيس صادمة للعامة من غير المتخصصين أو المطلعين على بعض الملفات أو المنساقين خلف الشائعات والأخبار الكاذبة المنتشرة على المواقع الإلكترونية والتى يتداولها بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة بدون إدراك.
أفريقيا تحديدا هى أكثر القارات فقرا وغنى فى ذات الوقت والأزمة الحقيقية فى كل بلدان أفريقيا هى ضعف التنمية وبطئها، فى مقابل معدلات الزيادة السكانية فى القارة وزيادة الطلب على المرافق والخدمات والبنية التحتية، حتى عندما نراجع الصورة الذهنية المتصدرة فى الأفلام العالمية عن القارة الأفريقية هى أن جميع سكانها لا يزالوا يعيشون الحياة البدائية البسيطة حياة الإنسان الأول المعتمدة على الرعى والجمع والتقاط الثمار، وكأن أفريقيا لم يطلها أى شكل من أشكال الاقتصاد المتطور مثل الزراعة المنتظمة واستخدام شبكات الرى، كما أن السياحة فى أفريقيا مازالت بعيدة عن الحداثة والمدنية، وأن العواصم الأفريقية هى الأفقر على الإطلاق.
للأسف الشديد أن هذه الصورة الذهنية لدى العالم أغلبها صحيح، ولكن ما يتجاهله الجميع برغبة منهم فى استمرار وضع شعوب القارة فى هذا التدنى من الخدمات وانتشار النزاعات المسلحة والاقتتال الداخلى والأمراض يرتكز فى مقامه الأول والأخير على نهب ثرواتها الطبيعة والمواد الخام والتى تعيش عليها المدنية الحديثة فى جميع عواصم الغرب بلا استثناء تأتى من أفريقيا، وعلى الرغم من انتهاء عصر الاستعمار العسكرى مع نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور ثورات الاستقلال فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، إلا أن المستعمرين الأوروبيين حتى هذه اللحظة يتعاملون مع الدول التى خرجوا منها عسكريا على أنها توابع لهم سياسيا وثقافيا.
فى الحقيقة إذا انطلقت الدول الأفريقية فى طريقها الى دخول عالم الصناعات مستغلة فى ذلك كافة المواد الخام التى تخرج من أراضيها بحيث يتوقف تصدير المواد الخام فى شكلها الأولى ويتم تصدير سلع ومنتجات كاملة تامة التصنيع، تحمل كل أشكال القيمة المضافة الممكنة، فتحقق أعلى عوائد للمواطن الأفريقى، ولاشك أن ذلك الطموح الاقتصادى الذى يشير إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى من بعيد، يحمل كثير من الأبعاد السياسية الخاصة بتوازنات القوى الصناعية الكبرى والعسكرية أيضا.
فهل ستقف دول القارة العجوز بكل ما بها الآن من أزمات اقتصادية واجتماعية أمام دول افريقيا التى تسعى إلى حقها فى التنمية والمدنية والحداثة والرفاهية، هل ستقبل العواصم الغربية بأن تكون سوق للسلع والمنتجات الأفريقية، وتتنازل عن الدور الذى تلعبه كمنتج وسوق فى نفس الوقت، هل ستسعى العواصم الغربية إلى البحث عن تكامل وتوزيع للأدوار على مستوى الاقتصاد العالمى، أم ستلجأ الى ما لديها من نفوذ سياسى فى المؤسسات الدولية وقوتها العسكرية والمخابراتية لتعرقل حق أبناء القارة السمراء فى العيش برفاهية. تلك هى الأسئلة المشروعة، أما الإجابات فقطعا ستكون غير مشروعة.