نستهل مقال اليوم كما اعتدنا بقول الصادق الأمين ذو الخلق العظيم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
	
	أما عن الأخلاق فبها من الفضائل و القيم ما يجعلنا لا نتوقف و لا ننتهي من الكتابه عنها ليس فقط في عشرات المقالات بل المئات منها، فالأخلاق كما نعلم هي المنظم الأساسي للمجتمع و هي التي تحكم العلاقات بين الناس و تضعها في أُطُر و أشكال معينة ربما تكون متسقةمع بعضها البعض في مجتمع هادئ مستقر متناغم يسودة الأمن و الأمان و الثقة و الإطمئنان ، أو غير متسقة في مجتمع غير متآلف به ما به من أسباب التفكك و الإنحدار و هذا هو المأزق الحقيقي .
	
	والفضيلة الأخلاقية التي نتناولها في مقال اليوم "الحياء"، نفتقدها كثيراً في تلك السنوات و نود البحث عن أسباب اختفائها ومحاولة استعادتها وإحيائها من جديد نظراً لشدة أهميتها و تأثيرها المباشر علي العلاقات الإجتماعية بين الناس داخل المجتمع .
	
	فإذا تذكرنا سنوات الخير و الصلاح عندما كان المجتمع بخير و العلاقات الإجتماعية سليمة مستندة تلقائياً علي قيم خلقية و عادات و تقاليد لا يتخطاها إلا كل من يكون بنظر الآخرين خارج عن النسق الإجتماعي أو بمعني آخر ذو سلوكٍ شاذ و مستغرب !
	• و قد كان ( الحياء ) علي رأس هذه القيم الأخلاقية بل و درة تاجها المرصع بالكثير من الجواهر الثمينة .
	
	• فكما قال عليه الصلاة والسلام: {إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء}.
	
	فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، يقول عنه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:{كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه}.
	
	*قال الراغب: (الحياء انقباض النفس من القبيح).. وقيل: هو خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح.
	
	
	• و قد حث المولي عز و جل في كتابه الكريم علي فضيلة الحياء : فقال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].
	
	*(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) [ (البقرة: 26]
	
	(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء[(القصص: 25]
	
	• و كذلك وردت في الكتاب المقدس ( الإنجيل ) آيات تحث علي الحياء:
	
	"لا تستحي حياء به هلاكك" (سفر يشوع بن سيراخ 4: 27)
	
	*"اَلصِّدِّيقُ يُبْغِضُ كَلاَمَ كَذِبٍ، وَالشِّرِّيرُ يُخْزِي وَيُخْجِلُ" (سفر الأمثال 13: 5)
	
	فكما كنا نسمع دوماً عن آبائنا و أجدادنا المقولة الشهير، ( إذا لم تستحي فافعل ما شئت ).
	
	و قد صدق القول بحق فمن يتخلي عن حيائه لا يبالي بأفعاله أياً كانت و لا يبالي أن يتأذي بها من حوله و لا يهتم بعواقب تصرفاته و لا نظرة المجتمع له علي الإطلاق !
	
	فقد كنا منذ زمنٍ ليس ببعيد نري الحياء في أوجه الناس و سلوكياتهم و خاصة النساء اللاتي كان الحياء من أهم و أبرز صفاتهن ، فقد كان بحق خجلهن له حُمرةٌ جميلة تعلو خدودهن حينما يستلزم الأمر .
	
	أما الآن فقد طغت تطورات العصر الحديث علي كل القيم و العادات و التقاليد العتيقة التي تربينا عليها و لم تترك لها أثر في نفوس الغالبية العظمي اللهم إلا قليلا !، فلم تعد هناك اعتبارات تضعها البنت بحسبانها لتحتفظ بصفاتها المفترضة كأنثي و علي رأسها الحياء الذي كان، حيث باتت تصرفاتها في كثير من الأحيان أشد عنفاً من الرجال و أكثر تبجحاً و جرأة !
	و هذا ما لا يليق شكلاً و موضوعاً بطبيعتها التي خلقها عليها الله و التي من المفترض أن تكون أكثر رقة و أشد حياء .
	
	و كما ذكرت أن الحياء قيمة أخلاقية شديدة الأهمية فهي من أهم أسباب السلام الإجتماعي ، فعندما يكون المرء حيّي غير متطاول أو مكشوف الوجه يكون غير مثير للمشاكل و استفزاز الآخرين من حوله، مما ينعكس إيجابياً علي شكل المجتمع، فتختفي منه الصدامات و يتحسب كل واحد للآخر احتراماً و تقديراً و خجلاً.
	
	فعندما كان الزمن طيباً، كان الجميع يمشي علي استحياء و يضع باعتباره دائماً و أبداً مشاعر الناس و يراعيها و يستحي أن يجرحها بشكل أو بآخر مما يخلق حالة من الوئام و تبادل المحبة و الإحترام بين الجميع ، فكان من يشذ عن هذا النسق المتين يعد خارجاً عن المألوف و مغرداً خارج السرب، أما الآن و في ظل موجة التبجح و انكشاف الوجه و اختفاء الخجل و انعدام الحياء ، لم يعد هناك من يراعي مشاعر حتي أقرب الأقربين له و لم يعد هناك احترام و استحياء من الكبير و لا عطف و رحمة بالصغير ، فحقاً بات كل شخص يفعل ما يشاء و ما يحلو له دون مراعاة الآخرين و دون وضعهم بأي اعتبار مما يزيد و يضاعف من حالة التحفز التي يشحن بها كل شخص نفسه ضد الآخر دون أي أسباب منطقية و لكن تحسباً لأي فعل حتي و إن كان لا يستدعي هذا التحفز.
	
	فهل لنا من عودة أعزائي لإحياء مكارم الأخلاق و علي رأسها (الحياء ) لنستعيد هدوئنا و سماحتنا و استقرارنا و ننفض غبار السنوات الذي تراكم طبقات فوقها طبقات ليخفي و يمحي آثار الزمن الطيب بكل قيمه و سلوكياته و أخلاقياته،تلك التي كانت الضامن الوحيد لتماسك و ترابط و استقرار هذا الشعب الطيب و هذه الأرض الطيبة ؟.
	
	
	• و خير ختام لمقال اليوم عن فضيلة الحياء ، كلمات الحييّ الأمين محمداً صلي الله عليه و سلم :عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» أخرجه الترمذي والبيهقي.
	
	وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». أخرجه البخاري.
	
	     
	        و إلي لقاء قريب مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق .