قبل أيام كنت أقوم بواجب عيادة مريض فى مستشفى مبرة المعادى، استوقفتنى ممرضة شابة مبتسمة، وسألتنى إن كنت قد قمت بفحص فيروس «سى»، ترددت فى الإجابة، وهممت بالاعتذار، بصراحة ثقتى فى الأجهزة التابعة لوزارة الصحة مهتزة، أو لنقل منعدمة، وظروفى ووقتى وخبراتى السابقة لا تسمح لى بالتفكير فى التجربة، ولكن الممرضة «المبتسمة» لم تترك لى فرصة، وقادتنى أنا والمدام إلى حيث رأيت صورة لم أعتدها فى مصر فى العقود الأخيرة، رأيت صورة نموذجية عصرية محترمة لا تقل فى مستواها عن أى دورة متحضرة، منظومة دقيقة، لم تقتصر إجراءاتها على تحليل الفيروس بأدوات تستعمل لمرة واحدة مع كل مريض فقط، بل إنها تشمل أيضا قياس الوزن، وتحليل السكر، وقبل أن أنصرف أعطتنى الممرضة شهادة مختومة، مدونا فيها وزنى وضغطى وتحليل السكر، وما يفيد أننى، والحمد لله، لست مصابا بالفيروس، ومن يكتشف إصابته، يتم إدراجه فورا فى برنامج العلاج بنفس الدقة، مجانا وبدون مليم واحد. أحد أهم نتائج الحملة التى تعد أنصع ما صنع السيسى، منذ أن جاء رئيسا لمصر، هو أنها ستتيح لنا لأول مرة فى تاريخ مصر خريطة صحية حقيقية ودقيقة ومطابقة للواقع الصحى للمصريين.. الحملة لاتزال فى منتصف مرحلتها الثانية، ولكنها كشفت عن مفاجآت من العيار الثقيل.
وخلال افتتاحه لعدة مشروعات خدمية وتنموية قبل أسبوع، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى شارة البدء لمواجهة ومكافحة السمنة فى مصر، بعد أن أظهرت نتائج الحملة أرقاما كارثية عن تفشى مرض السمنة فى مصر، وأمر الرئيس بضرورة عودة الرياضة للمدارس والجامعات وتدريس مادة التربية الرياضية وعودة حصة الألعاب لمواجهة انتشار السمنة وضعف العضلات وزيادة الوزن بين المصريين.
الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، كشفت أنه تبين أن %75 من المصريين الذين شملتهم المرحلة الأولى لحملة «100 مليون صحة» يعانون من زيادة الوزن بدرجات مختلفة منهم %35 وزنهم فوق الطبيعى و%33 يعانون من السمنة و%6 يعانون من السمنة المفرطة، وهذا يعنى أنه سيكون لدينا 6 ملايين مصرى يعانون من سمنة مفرطة، إذا استمرت نفس المؤشرات حتى نهاية الحملة، هذا غير 33 مليون يعانون أصلا من السمنة، وطبعا الكولسترول، وخد عندك قائمة طويلة بالأمراض مثل تصلب الشرايين والضغط المرتفع والمفاصل، ارتفاع معدل السمنة فى مصر خلال السنوات الأخيرة لا تخطئه عين ولا تحتاج إلى دراسات لترصدها، الأسباب كثيرة، أولها ابتعادنا عن ممارسة الرياضة، وانتهاك وقت الفراغ فى الانكفاء على التليفونات المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، يحدث هذا فى الوقت الذى تغيب فيه عنا كمصريين ثقافة ممارسة رياضة المشى، أو ممارسة الرياضة بصورة منتظمة.
زمان كان الكرش دليل على العز.. الآن الكرش دليل على أن صاحبه مريض، عليل يحمل قائمة بالأمراض، وبالتأكيد صاحبه لا يمارس رياضة، ويمكن أن تستنج أنه يعانى من خشونة فى الركبة، وللأسف الشديد تجد الفقير هو الذى يعانى من السمنة، بسبب طبيعة الأكل، ماذا تنتظر من إنسان يأكل «ساندوتش كشرى»، كشرى فى عيش بلدى، أو ساندوتش محشى كرنب، مظلوم المصرى الذى يملأ معدته بكل أنواع «الكربوهايدرات»، مصيبة السمنة تصل إلى أبناء الميسورين بسبب الأكلات السريعة التى تصنع من دهون مشبعة، تسبب السمنة، وتلحق ضررا مباشرا بالقلب والأوعية الدموية.
لماذا لا يكون لنا فى رئيسنا أسوة حسنة، وزيرا التربية والتعليم والتعليم العالى تحركا فورا واستجابا لأوامر الرئيس، ولكن بتزيد، الأمر لا يحتاج إلى أن نكون مالكيين أكثر من مالك، ونقرر الرياضة مادة أساسية لكى نهتم بها فى المدارس، الأمر يحتاج إلى تهيئة بيئة ومناخ.. أتذكر وأنا طفل صغير فى مدرستى الابتدائية، ثم الإعدادية، ثم الثانوية، كانت حصة الرياضة مقدسة، ولا بد من فانلة وشورت وحذاء «باتا» الأبيض «لا يعرفه الجيل الحالى»، ولا بد من تغيير اللبس فى عز التلج وارتداء الشورت، والنزول لممارسة الرياضة فى ملاعب المدرسة.. فى مدرستى الحكومية كان هناك ملاعب خماسية «بنى مكانها الآن مدرسة جديدة» وملعب باسكت بول وملعب فولى بول، إضافة إلى حفرة لممارسة رياضات القفز، وكان لنا يوم فى الأسبوع نذهب فيه من المدرسة إلى استاد شبين الكوم لممارسة رياضة كرة القدم، وفى طريق العودة يحصل كل منا على كيس فيه برتقالة، وجبنة نستو وعيش فينو وقطعة عجوة.. أنا مشفق على د. طارق شوقى، من أين سيأتى بملاعب فى المدارس، الأمر ليس بالسهولة التى يتخيلها البعض، ولن يحل بمجرد جرة قلم، ولكنها البداية، ولنا فى رئيسنا أسوة حسنة، ما شاء الله عليه، رئيس رياضى متسق القوام، مشيته المنضبطة التى هى أقرب إلى الهرولة، تقول إننا أمام رئيس تمثل الرياضة قاسما أساسيا من يومه المشحون، ينطق بذلك ركوبه للعجل، وأن أغلب أنشطته تتم فجرا.. حاجة تفرح وتشرف، رئيسنا بصراحة قدوة حسنة فى همته ونشاطه وركوبه الصعاب، وأيضا فى لياقته البدنية.