لم يكن السادات المولود فى 25 ديسمبر عام 1918 رجلا عاديا، ولم يجد نفسه فجأة على قمة الهرم السياسى المصرى، كما يروق للبعض أن يتصور، بل كان رجلا ذكيا، لا يهمد ولا يعرف الراحة وبالتالى فى سنوات سعيه الطويلة قام بأشياء جيدة وأشياء أخرى لم تكن على المستوى، لكنه يظل علامة فارقة فى التاريخ المصرى.
هو يشبه الكثيرين من أبناء القرى فى الهيئة والملامح، لكنه لا يشبههم كثيرا فى رؤيتهم لأنفسهم، فهو فى ذاته يعرف أنه يستحق أكثر مما منحته الحياة، وفى داخله يعرف أيضا أنه مغامر، وللمغامرة ثمنها، وقد كان مستعدا لدفع الثمن عن طيب خاطر.
لا أعرف من حسن حظ السادات أم من سوئه أنه كان تاليا للرئيس جمال عبد الناصر، والذى كان يحب أن يراه الشعب فى صورة «المحبوب» ويسعى لذلك ويتحمل فوق طاقته من أجل متعة كلمة «الزعيم» لكن السادات لم يكن يهتم بهذا الأمر، وعلى الأقل لم يهتم به بالصورة التى كانت لدى عبد الناصر، هو يريد أن يترك أثرا واضحا لا يمكن إغفاله، لذلك ذهب إلى تل أبيب ولذلك وقع سلاما مع إسرائيل.
كان السادات ينطلق من فكرة أنه لا يصلح أن يكون نسخة أخرى من جمال عبد الناصر وليس مهما أن يقال اسمه فى الأغنيات، ولا أن يهتف الجماهير باسمه طوال الوقت، وكان يعرف أن الحياة قد حبته بذكاء فطرى أهله لرؤية ما وراء السطور، لذا هو يملك القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية، وقد فعل ذلك كثيرا.
وفى ظنى أن الظروف ظلمت السادات كثيرًا، عندما وضعته فى مقارنة عاطفية مع جمال عبدالناصر، فقد كان على الشعب أن يدرك أن السادات لا يريد هذه المقارنة، ولو كان يريدها لسعى لها سعيها، لكنه وهو الرجل الذكى أدرك أنها لن تكون فى صالحه، فآثر اختيار طريق مغاير، وقد كان هذا شأنه طوال حياته، يسلك الطرق الصعبة التى لا يسلها الكثيرون، ويتعرض للسجن والفصل من العمل ويسير فى أرض الله الواسعة، وكله أمل فى الغد.
لا أحب السادات ولا أبغضه، وأحترمه كثيرا، وأفهم دوره ولا أتفق مع بعض قراراته المصيرية، ورغم معرفتى بأن الظروف هى التى اضطرته لذلك لكننى كنت أتمنى أن يناورها، لكنه انطلق من رؤيته الشخصية، متحملا كل النتائج دون هروب حتى لقى الله شهيدا على يد المتطرفين.