ماشى وشايل ناس فى جوفى
وفوق ضهرى شايل ناس
شايل فوق كتفى ناس
وف عنيا ناس
ماشى أنا والسكة ناكل فى بعضينا
معرفش مين فينا قبل التانى هيقول خلاص
من الغرام اكتفيت بروعة اللهفة
ومن السهر بالضحك ع العتمة
واكتفيت بالزغللة م الضى
وبالانتظار م اللى جاى
ومن اللى فات بالندم
واكتفيت من ريحة الأيام بأغنية
ومن جميع الناس اكتفيت بيا.
هكذا يعبر الشاعر جمال فتحى فى قصيدته الأولى من ديوان «لابس مزيكا» عن نفسه، هكذا يعبر عن التجربة، تجربة العمر، وتجربة الشعر، وفى اعتقادى فإنه بهذا الطرح المفارق يصنع صوفيته الخاصة، فالصوفية كما نعرفها تأتى بالزهد عن الدنيا والابتعاد عن العالم المادى، وفى هذا يقول القطب الصوفى الكبير شمس الدين تبريز: «أتحدث إلى نفسى وأكتفى بها عن الناس»، وعلى لسان الشبلى يقول صلاح عبدالصبور فى مسرحية مأساة الحلاج: «لسنا من أهل الدنيا حتى تلهينا الدنيا»، وطريق الصوفية كما نعرفه لابد أن يمر بـ«التخلية» حتى يصل إلى «التحلية»، والتخلية هنا هى كل ما يمت للعالم بصلة.
جمال فتحى لم يفعل هذا، غاص فى العالم على اعتبار أنه هو الهدف من الرحلة وليس تركه، وفى النهاية يوحى بأنه تركه حينما يقول «ومن جميع الناس اكتفيت بيا»، لكنه فى الحقيقة لم يكتف بهم إلا بعد أن أصبح ملخصهم المفيد، بعد أن حملهم حتى غابت ملامحه عن ملامحه وثقلت عليه وكأنها مضافة إليه، وكما يصنع «فتحى» صوفيته الخاصة يصنع أيضا معانيه الخاصة، إذ يفرق بين إرادة التسليم للحياة، وخضوع الاستسلام لها فيقول:
سلمت نفسى للطريق يدا بيد
سلمت أملى لاحتمال وارد
سلمت عينى للسهر وفضلت قاعد
منتظر
سلمت روحى وقلبى سلمته رهينة
سلمت عمرى وما اتكلمت
سلمت كل ما أملك
ولا استسلمت