كل صباح يولد فى الصعيد طفل يظن أنه سيد قومه وأنه منقذهم، وأنه صانع تاريخهم ومستقبلهم، لكنه فى كل صباح لا يولد مثل «سيد أبوسباق» فرعون بيت خلاف.
يتزعم سيد أبوسباق بطل رواية «حجر بيت خلاف» للكاتب محمد على إبراهيم الصادرة عن دار المثقف، قومه، رغم أن البدايات لا تبشر بذلك، لقد كان ضحية لوالده محمود أبوسباق وضحية للشيخ المغربى عبدالنعيم وضحية لأشياء أخرى كثيرة، لكنه قرر بفطرته أن ينتقم لنفسه من كل شىء، وأن يكون أذكى من والده ومن الجميع، أن يبحث عن مقبرة بطل يشبهه هو «الملك مينا» موحد القطرين ذلك الذى قتله «ضبع».
سعى سيد أبوسباق لامتلاك عالمه، أنه لا يعرف الكتابة العربية، لكنه يعرف الرسم، لذا تعلم رسم النقوش الفرعونية، بل تجاوز ذلك إلى كتابة البرديات التى يحكى فيها تاريخه ورؤيته لنفسه ورأيه فى كل شىء.
الفكرة التى تنطلق منها شخصية سيد أبوسباق ليس كونه الولد المنتهك جنسيا أو تاجر الآثار أو صديق الكبار، بل إنه الشخص المحب للجمال المأخوذ بسحر الموناليزا والمأخوذة برجولته وحبه لها.
ويحسب للكاتب محمد على إبراهيم أنه بعد انتهاء قراءتك للرواية لن تستطيع أن تكره سيد أبوسباق، بل ستفرح لانتقامه وسوف تتمنى أن ينجو من محنته الأخيرة.
لا تعتمد رواية «حجر بيت خلاف» على الحكاية فقط رغم أهميتها ورغم حسها التشويقى الذى يجعلك لا تغادر نفسك قبل أن تنتهى منها، لكنها أكثر من ذلك، فهى رواية معرفية، وبها نوعان من المعرفة، النوع الأول شكلى يرتبط بطريقة البناء، حيث المتن والهامش، فلدينا البرديات «السيرة الذاتية» التى يكتبها سيد أبوسباق عن نفسه وعن عالمه، عن أمنياته وأحلامه، وعن عداواته أيضا.
أما المعرفة الثانية فكانت متعلقة بالتاريخ وحكاياته، والفن وإبداعاته، والنفس الإنسانية وتقلباتها، والإحساس بالنصر والهزيمة، فالرواية تدخل إلى قلب الصعيد، وعالمه مارة على آثاره وأفيونه وأذكاره ونسائه مؤكدة على كونه عالما مكتملا.
ومما يحسب للرواية أن اللغة التى حملت الحكاية غنية بالإشارات إلى السير الشعبية، كأن محمد على إبراهيم راويا شعبيا يجمع المتحلقين حوله كى يقص عليهم سيرة البطل بكل ما فيها من غموض وكشف ومن صوفية وجفاء ومن حب للذات وكراهية للوجود، كى يدفعنا للتفكير فى مقولة انتبه كى لا تكسب الدنيا وتخسر نفسك.