كان الله فى عون أى وزير أو مسؤول يعمل فى الدائرة القريبة من الرئيس السيسى، بالتأكيد هو شرف ما بعده شرف، أن تعمل بجوار رئيس بهمة ونزاهة السيسى، ولكن أنت مطالب- فى هذه الحالة- أن تكون جاهزا على مدار الساعة للإجابة على كل أسئلته، لن يمر على ما تقوله مرور الكرام، ويهز رأسه، أو يوزع ابتسامات المجاملة البروتوكولية هنا وهناك، يجب أن تكون على دراية بتفاصيل الملف الذى فى يدك من الألف إلى الياء، والأهم أن تعرف كل جنيه فى خزينتك، وتعرف بنفس الأهمية والتدبير: أين ستنفقه.. وإلا فأنت أمام رئيس يحفظ ويعرف ربما أكثر منك تفاصيل وضعك المالى، ومشاكلك على الأرض، وإذا لم تكن أهلا لها وجاهزا بالحلول فعليك أن تتركها بالتى هى أحسن.. الوزراء تكاد تنقطع أنفاسهم فى محاولة مسايرة الرئيس فى سرعة أدائه، الفجر يكون مع طلاب الكلية الحربية يحضر تدريباتهم، الظهر يكون فى النمسا ويبدأ سلسلة اجتماعاته ليل نهار، ويعود مصر ليلا والفجر يكون فى مكان، والظهر فى مكان ثانٍ وثالث، أغلب افتتاحاته، وتفقداته للمشروعات فجرا.
استوقفتنى لغة السيسى فى افتتاحات المشروعات الأخيرة، يحرص على أن يعرف الناس حجم الإنفاق وضخامته، يتحدث بلغة المليارات «إجمالى تكلفة مشروعات بشاير الخير 1، 2، 3، تصل لـ9 مليارات جنيه»، وفى الوقت نفسه يدقق ويتفاوض فى الجنيه إذا كان حق الدولة، وللأسف الشديد نحن استمرأنا فى العقود الأخيرة استحلال أموال الدولة، واعتبار سرقة الحكومة حلالا، نعتبر سرقة التيار الكهربائى حلالا، وعمل توصيلة مياه، بدون عداد شطارة، وإذا تم اكتشاف الأمر فـ«ورقة مكرمشة بمئة جنيه» لمسؤول الحى تنهى كل شىء، نفس الفلسفة، التأجير من الحكومة، حتى لو بملاليم نتحايل على السداد، نكسب الملايين، ونبخل بملاليم الدولة، حتى المحاجر التى تعتبر أحد أكبر مدخولات أى دولة، هناك مافيا تديرها على أعلى مستوى، كبار وصغيرين وكل واحد بيلقط رزقه على حساب الدولة. أتذكر أحدهم، وبالمناسبة بيصوم اتنين وخميس ولكنه لا يدفعع تذكرة القطر الذى يركبه يوميا من قويسنا حيث يعيش إلى القاهرة حيث مقر عمله، وعندما استنكرت الأمر كان رده: أنا مش أغنى من الحكومة!.. ما يقوله هذا الزميل يقوله كبار رجال الأعمال الذين يشترون بعض ضعاف النفوس فى عدد من الدوائر الحكومية، ومن أجل عدة آلاف من الجنيهات الحرام يدسونها فى جيوبهم، يحرمون خزينة الدولة من ملايين، يحدث هذا كل يوم فى أغلب دوائرنا الحكومية، للأسف أنه داء استفحل، وتجذر فى دواويننا الحكومية، وللأسف أنه اكتسب مشروعية لدى البعض، واعتبره البعض حلالا بلالا، بل إن بعضهم يطلب أن تكون «وهبته» حج أو عمرة.. تخيل نبتغى رحمة ربنا ونسأله أن يغفر لنا، وكل هذا بأموال حرام.. وليه نروح لبعيد نائبة محافظ الإسكندرية التى ألقت الرقابة الإدارية القبض عليها، وما زالت تحاكم، لائحة الاتهام تتضمن رشوتها بمصاريف حج!
من المرات التى رأيت فيها الرئيس منفعلا، على هامش افتتاحه للمشروع الاجتماعى الإنسانى الإسكانى بشاير الخير 2 فى غيط العنب بالإسكندرية، كان يتحدث عن مأساة إهدار المال العام فى محلات الحديقة الدولية فى الإسكندرية، ناس استأجرت من أكثر من عشرين سنة، بملاليم، وصنعوا إمبراطوريات، وجنوا الملايين، ويستخسروا يسددوا للدولة حقوها البسيطة، بل يدخلون معها فى دوامة قانونية كان لابد من وقفة، إما تحصيل 400 مليون جنيه مستحقات الدولة من حيتان رجال الأعمال، وإلا إخلاؤها، وإعادتها لحضن الدولة تديرها بمعرفتها.
نفس المنطق يحكم كثير من الخدمات، وكان الرئيس قاطعا حكيما عندما كلف الوزراء المعنيين بتقديم الخدمات، مع وزير المالية بأن تكون الخدمات، من كهرباء وغاز، وماء مستقبلا بالكامل باستخدام الكروت مسبوقة الدفع: فيها ضمانة قاطعة لحق الدولة، وعدالة للمواطن.. من يدفع تصله الخدمة، ومن يلجأ إلى البلطجة على الدولة، فهذا زمان قد انقضى وذهب من غير رجعة، ومن يبنى «مخالف»، أو يعتدى على أراضى الدولة، سيجد من يهدم لها ما بناه على نفقته.. الدولة فى عصر السيسى قوية «وإيدها فى الحق قوية وطايلة».