لم يكن أبوالطيب المتنبى يحتقر العبيد، لكنه بلا شك كان يحتقر أخلاقهم، تلك الأخلاق التى تبزغ من هذا العبد أو ذاك حتى إن تحرر، حتى إن تسيد، حتى إن أصبح ملكا متوجا، أو حاكما آمرا، هو عبد بلا أغلال، عبد بلا وشم يميزه، عبد لأن ضميره صار عامرا بالذل، عبد لأن لمعان عيونه مازال مقرونا بالطمع، عبد لأن شهواته لا تتحقق سوى بالانتهاك.
لا تشترى العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
هكذا تكلم أبو الطيب المتنبى صارخا فى وجه كافور الإخشيدى، ذلك العبدالمنكود أى الملعون، كانت صرخة أبو الطيب تلك بعد أن أخلف كافور وعده له، وظل على ملاوعته له حتى كفر به وهرب منه، وخطيئة أبى الطيب أنه منح كافور ما يريده قبل أن يحصل على ما يريده، وخطيئة كافور أنه ظن أن بمقدوره أن يأسر شاعرا أو يتلاعب به، فقد خلده أبوالطيب بقصيده ستظل آية من آيات الهجاء فى تاريخ الأدب العربى، كما ستظل شهادة قاسية على أخلاق العبيد التى التصقت بهم والتصقوا بها حتى إن ظنهم البعض أحرار.
انتهت العبودية من العالم بالاسم فحسب، لكنها مازالت حاضرة كنقيض للإنسانية وليست كنقيض للحرية فحسب، العبيد الآن فى كل مكان، وأشهرهم بل وأكثرهم، بل أخطرهم، هم عبيد الدولار، هذا الإله الزائف الذى يعبدونه اليوم كما عبدوه فى الأمس وكما سيعبدونه فى الغد، الجميع يولى وجهه شطر الأخضر البراق، هو الحاضر فى المساومات والحاضر فى المعارك المفتعلة والحاضر فى الوجوه الكالحة، والحاضر فى العيون الميتة، هو الحاضر وعبيده غياب، هو المقيم وعبيده هم المتغيرون.
يهتفون له «لبيك دولار لبيك» يقدمون له القرابين من شرف أو وطنية أو انتماء أو عرض أو علاقة إنسانية أو لحظة صفاء، كل شىء تحت أقدام الدولار يهون، وهم المهانون، ومن أجله يضحون وينزفون، يتنازلون عن شروط إنسانيتهم، ينكرون هواء أوطانهم وماءها، يسفكون كل شريف، ويذمون كل عفيف، لا يخلصون لشىء سوى للدولار، وإن اضطروا أن ينكثوا عهدهم للدولار من أجل الإخلاص لشىء آخر فبالتأكيد هذا الشىء هو اليورو.