دائما ومع كل عملية ضبط لواقعة رشوة بين رؤساء الأحياء، ترتفع أسئلة تبحث عن إجابات لعل أهمها: لماذا لا يشعر رؤساء الأحياء والفاسدين الخوف وهم يعلمون أن تليفوناتهم مراقبة وأنهم مرصودون، ويشاهدون زملاء لهم سبقوهم إلى سجن الفساد؟. وهل السبب هو أن العقوبات غير رادعة؟.
نقول هذا بمناسبة القبض على رئيس حى مصر القديمة متلبسا برشوة أكثر من مليون جنيه مقابل التغاضى عن مخالفات، وهى أول قضية رشوة يتم ضبطها فى 2019، والتاسعة من بين رؤساء الأحياء خلال أربع سنوات، كانت إعلاها 2017.
شهد عام 2018 قضيتى رشوة لرؤساء أحياء، ففى أغسطس الماضى تم القبض على اللواء رئيس حى الهرم بتهمة تقاضى رشوة من صاحب عقار أكثر من مليونى جنيه و4 أجهزة تكييف وساعة و3 شقق سكنية، على سبيل الرشوة لرئيس الحى، مقابل تغاضيه عن إزالات أدوار ومبان مخالفة فى نطاق الحى الذى يشرف عليه، وفى يونيو الماضى، تم ضبط رئيس حى الدقى، بتهمة تقاضى رشوة 250 ألف جنيه وشقة بـ2 مليون جنيه، مقابل عدم إزالة عقار مخالفات.
وشهد 2017 4 قضايا رشوة، ففى يونيو، تم القبض على رئيس حى التجمع الخامس أثناء تقاضيه رشوة من اثنين من أصحاب شركات النظافة الخاصة لإرساء مناقصة على شركتهم. وفى نوفمبر 2017، تم القبض على رئيس حى المستثمرين الشمالية والرحاب برشوة 200 ألف جنيه وفى نفس الشهر تم التحقيق مع رئيس حى الموسكى فى تهمة تلقى رشوة 100 ألف جنيه، وفى ديسمبر 2017، حققت النيابة مع رئيس حى أول أكتوبر، وموظف بتهمة الحصول على رشوة من صاحب عقار.
فى 2016 تم اتهام رئيس حى روض الفرج وقتها بتلقى 20 ألف كرشوة من مقاول، وفى 2015، تم القبض على رئيس حى دار السلام السابق بعد حصوله على رشوة من شركة تعمل فى تركيب محطات تقوية المحمول.
وخلال العامين الماضيين تم القبض على محافظ المنوفية الأسبق متلبسا بالرشوة وإحالته للمحاكمة، وأيضا نائبة محافظ الإسكندرية السابقة، وبالإضافة إلى رؤساء الأحياء والمحافظ والنائبة، هناك عشرات القضايا الرشوة بين موظفى الإدارات الهندسية، وموظفى المحليات والأحياء.
ولا نريد التوسع فى تعميم الاتهامات، لكن الكثير من قضايا الفساد يسقط فيها المرتشون بناء على بلاغات، وبالتالى يمكن توقع نسبة من الرشاوى تمر، وهناك بعض التقديرات بان ما يتم ضبطه يشكل نسبة من الفساد. وبالرغم من جهود الأجهزة الرقابية المستمرة، فى مراقبة وضبط قضايا الفساد، تبقى هناك أسباب للفساد، لعل أهمها هو السلطة المطلقة لرؤساء الأحياء والإدارات الهندسية، واستمرار الإجراءات المعقدة، التى تجعل من سلطة الإدارات تمرير أو منع التصاريح بناء على العلاقة وحالة الرضا.
لدرجة أن الملتزمين أحيانا يواجهون عراقيل وتعطلهم الإدارات، بينما من يدفع يمر، وبعض من ينطبق عليهم الشروط ويلتزمون بالقانون، ولا توجد لديهم مخالفات، يضطرون للتعامل من أجل عبور العراقيل، وهى قصص معروفة فى كل حى ومركز ومدينة.
المفارقة أن رؤساء الأحياء والمدن يتعسفون فى استعمال سلطاتهم فى الفساد، لكنهم يتخلون عن هذه السلطات فيما يتعلق بمهام عملهم، مثل ازالة الإشغالات أو النظافة. وهو أمر يبدو مرتبطا بالفساد، حيث تكون المخالفات والإشغالات تتم أمام أعين موظفى الأحياء والمدن، الذين يكونون انعكاسا لرئيس الحى أو المدينة، وهو ما يجعل الرشوة والفساد والإهمال والتغاضى عن المخالفات حلقات متصلة ومنفصلة، وقطع هذه الحلقات يتم من خلال إصلاح أنظمة الإدارة التى تشجع على الفساد.