«الإبداع يولد من رحم المعاناة»، تنطبق هذه المقولة فعليا على الكاتب الصحفى والروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، فقد عاش حياته فى الصغر مشتتا بين والدته السيدة روزاليوسف وبيت جده الذى تربى بين جدرانه، كما قلت فى المقال السابق، وهو ما كان له تأثير بالغ على رواياته التى كانت تتسم فى كثير من الأحيان على تجاربه الحياتية، خصوصا أن مئات الحكايات الواردة فى أعماله كانت من فعل التجربة قبل الخيال، وإن كان للخيال عامل كبير جدًا فى أدبه، لكن المنبع أو الشخصية التى يرسمها هى شخصية واقعية بالمقام الأول، كل شخص عنده هو نموذج يستحق أن يُرى من الداخل، لأنه يضرب بيده فى أعماق الشخصية الحية ثم ينسج على نفس المنوال شخصية على الورق، فقد جعل شخصياته كلها حية بالفعل، لا مجرد كلام وتلصيق انفعالات وصفات رسمها لتناسب الرواية، بل هى بكل تناقضاتها وصراعها الداخلى وصراعها مع الحياة نموذج حى من البيئة التى يعيش فيها.
تتعدد الجوانب التى يمكن التطرق إليها حين الحديث عن إحسان عبدالقدوس، فبجانب أنه متعدد المواهب فى مجالات الكتابة تتميز حياته بثراء غير مسبوق وتجربة إنسانية عريضة ظهرت بعض ملامحها فى أعماله الروائية والمسلسلات والأفلام، فقد كان يغوص فى أعماله داخل أعماق المجتمع ويتحدث بعفوية عن الذين قابلهم وتعامل معهم فى رحلة كفاحه وتحديه لظروفه الصعبة منذ طفولته حتى أصبح روائيا عالمياً، وكان له أيضًا دور بارز فى صناعة السينما ليس فقط عن طريق الأفلام التى أعدت عن قصصه ورواياته، ولكن بالمشاركة فى كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، كما أنه قلمه نصير للمرأة والحرية، وهو ما منح صك الاختلاف عن باقى الساحة الأدبية.
مر 100 عام على ميلاد إحسان عبدالقدوس و29 عاما على ذكرى رحيله، إذ إنه من مواليد 1 يناير 1919، وتوفى فى 12 يناير 1990 عن عمر ناهز 71 عامًا، لكن بقيت ذكرياته وأعماله وإنتاجه الأدبى والروائى ومدرسته الصحفية المشاكسة محفورة فى أذهاننا.