فى يوم 24 يوليو 1965 وضع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حجر الأساس لبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وتم إسناد تصميم الكاتدرائية للمهندسين عوض كامل، وسليم كامل فهمى، وميشيل باخوم، وفى 25 يونيو عام 1968 أى منذ ما يقرب من 51 عاما افتتح «ناصر» الكاتدرائية، وبمشاركة الإمبراطور «هيلا سلاسى» إمبراطور إثيوبيا، بجانب ممثلين من مختلف الكنائس.
وكانت التحديات حينها كبيرة، فالإخوان كانوا يمارسون نفس ما يمارسونه الآن، من إرهاب واغتيالات، وفتاوى تكفير المجتمع، وحمل العداء الكبير للأقباط، ومع ذلك كانت خطوة الزعيم الراحل، رسالة عظيمة للخارج قبل الداخل، تؤكد أحقية أشقاء الوطن فى بناء دور عبادة، وممارسة طقوس عبادتهم بكل أريحية..!!
وفى صباح الأربعاء 26 يونيو 1968 أقيمت الصلاة على مذبح الكاتدرائية، وفى نهاية القداس حمل البابا كيرلس السادس رفات القديس «مار مرقس» إلى حيث أودع فى مزاره الحالى تحت الهيكل الكبير، ثم جاء حفل جلوس البابا «شنودة» على كرسى البابوية فى الكاتدرائية يوم 14 نوفمبر 1971 ليصبح البابا رقم 117 فى تاريخ البطاركة.
اللافت حينذاك، وقبل تدشين كاتدرائية العباسية، ما قاله، الكاتب الصحفى الكبير، محمد حسنين هيكل، فى كتابه الشهير «خريف الغضب»: «كانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقا إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، وكان بناء كاتدرائية جديدة مشروعا محببا إلى قلب البطريرك، لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها الكاتدرائية الجديدة، وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم إن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم ير مناسبا أن يفاتح جمال عبدالناصر مباشرة فى مسألة بناء الكاتدرائية، فقد تصور فى الموضوع أسبابا للحرج.
ويوم الأحد 6 يناير 2019 افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى، كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة، الأكبر مساحة، والأروع عمارة، بجانب افتتاح مسجد الفتاح العليم، وهو الأكبر فى مصر، فى رسالة عظيمة الأثر تقول وبصوت جهورى: «ها هنا فى مصر تسامح الأديان، وتعانق دور العبادة، وتجاور المسلمين والأقباط فى تأدية كل منهم لطقوسه الدينية!!»
نعم، مشهدان عظيمان، يفصل بينهما 51 عاما، المشهد الأول، عندما افتتح الراحل جمال عبدالناصر كاتدرائية العباسية، عام 1968 والمشهد الثانى، افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة التى تعد الأكبر فى الشرق الأوسط والأسرع فى تنفيذها، حيث استغرق 24 شهرا فقط.
دلالات المشهدين، عظيمة الأثر، دينيا وإنسانيا وسياسيا، بجانب وهو الأهم، إبراز أن القرارات العظيمة، لا يمكن أن يتخذها إلا الزعماء، فبناء كاتدرائية العباسية، اتخذه جمال عبدالناصر، وفى ظروف سياسية وأوضاع داخلية صعبة، لعب فيها جماعة الإخوان الإرهابية، وأصحاب النفوذ والمال دورا فى محاربة مؤسسات الدولة، وبذل الغال والنفيس لإعاقة تقدمها، ومشروعها الصناعى والتنموى الكبير.
وقرار بناء كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة، اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى، رغم ما تمر به مصر من ظروف اقتصادية صعبة، وحروب خارجية وداخلية، معقدة وصعبة، ومحاولات جماعة الإخوان الإرهابية، إثارة الفتنة، وتنفيذ مخطط إسقاط البلاد فى مستنقع الفوضى، بتنفيذ عمليات إرهابية منحطة، واغتيال خير من أنجبت مصر من جنود وضباط الجيش والشرطة، ونشر الشائعات وترويج الأكاذيب، والتسفيه من الانجازات، والارتماء فى أحضان ألد أعداء الوطن، تركيا وقطر..!!
ورغم كل هذه التحديات، كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى، شجاعا، ورائعا، عندما أسدى لشركاء الوطن وعدا ببناء كاتدرائية هى الأكبر فى الشرق الأوسط، لتجاور، مسجدا هو الأكبر أيضا، لتكون رسالة التسامح، والمحبة، وإعلاء شأن الوطنية، دون الوضع فى الاعتبار، لحروب الخونة والتنظيمات والجماعات الإرهابية..!!
الزعماء فقط، هم القادرون على اتخاذ القرارات الكبيرة، والجوهرية، دون خوف أو ارتعاش، لذلك كان قرار الراحل جمال عبدالناصر ببناء كاتدرائية العباسية، فى ظل تحديات ضخمة كانت تواجه مصر حينها، والرئيس عبدالفتاح السيسى، اتخذ قرار بناء كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة، فى أصعب الظروف التى تمر بها مصر، وأعقدها، داخليا وإقليميا ودوليا، ليدخل البهجة على قلوب شركاء الوطن، ووصلت الرسالة إلى كل العالم، وأثنى عليها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتغريدة له على تويتر قال فيها أنه سعيد بأن يرى الأصدقاء فى مصر يفتتحون أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط، مشددا على أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يقود بلاده نحو مستقبل أكثر شمولا..!!