«أشبه الأشياء بالدعوة إلى الصلاة دعوةٌ تكون من معدن الصلاة، وتنم على صوت من أصوات الغيب المحجَّب بالأسرار، دعوة حية كأنما تجد الإصغاء والتلبية من عالم الحياة بأسرها، وكأنما يبدأ الإنسان فى الصلاة من ساعة مسراها إلى سمعه، ويتصل بعالم الغيب من ساعة إصغائه إليها، دعوة تلتقى فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية فى كل موعد من مواعد الصلاة، كأنها نبأ جديد، «من كتاب العقاد «داعى السماء - بلال بن رباح».
أَفْلحَ إنْ صَدَق، اللواء عمرو شكرى، رئيس قطاع مكتب وزير الأوقاف يخبرنا بدخول مشروع الأذان الموحد حيز التنفيذ فى العام الجارى، قال شكرى: «إن التجربة سيتم تنفيذها بعد شهر من الآن».
أقول أَفْلحَ إنْ صَدَق، لأن هذا المشروع صادف حظاً عاثراً طوال عشر سنوات مضت، منذ أن خاض وزير الأوقاف الأسبق الدكتور محمود حمدى زقزوق معركة «الأذان الموحد»، وواجه فى شجاعة جملة الرافضين دينياً، وغضبة المؤذنين، كانت ضجة هائلة امتصها الوزير بعقلانية، وأسس لوجوبية الأذان الموحد من خلال المرجعيات الدينية المعتمدة فى المشيخة الأزهرية ودار الأفتاء.
ولم يترك زقزوق الأمر للهوى، بل قرر أن يرفع الأذان الموحد فى مساجد مصر قاطبة، وأنجز عقد التجهيزات الفنية مع شركات مصرية، وخصص الأموال، وعقد الاجتماعات، وبدأ التجارب، ولكن المشروع جرى تجميده لأسباب لا تزال تراوح مكانها، وأخشى تعوق التنفيذ من جديد تحت مظنة مخالفة الشرع.
أخشى من الخشية أن تلقى المحاولة الجديدة مصير سابقتها، ورغم حديث اللواء شكرى المتفائل لـ«انفراد»، بأن التجربة سيتم تنفيذها بعد شهر من الآن، وأن الهيئة العربية للتصنيع قامت بتوفير أجهزة البث، كما تقوم هندسة القاهرة بضبط الأجهزة ومتابعة الفنيات، على أن يتم إطلاق الأذان بشكل تجريبى فى القاهرة الكبرى، حسب التوقيت المحلى للإقليم، ومن أحد المساجد الكبرى ضمن 100 مسجد، على أن يتم تعميمها على مستوى الجمهورية.
أثمن جهود وزير الأوقاف الشجاع محمد مختار جمعة فى إنجاز هذا المشروع الذى سيكون عنوانا عريضا لما نرجوه من تجديد الخطاب الدينى، وتوحيدالأذان ليس رفاهية، بل ضرورة واجبة ومستوحبة، ضرورة دينية ترحمنا من أصوات ولكنات ولهجات تجافى الصوت الحسن، والأداء السليم، والدعوة إلى الله بالحسنى، بأصوات شجية ندية تعيد إلينا رقى الأذان وسمو النداء على الصلاة، وحى على الفلاح «راجع حديث العقاد فى صدر المقال».
وضرورة مجتمعية، غابة الأصوات التى تنطلق بلاعقال، متنافرة، متداخلة، متجاوزة النطاق السمعى، تشكل ظاهرة محزنة، ليس هكذا تورد الإبل، ليس هكذا ينادى على الصلاة، ليس بالزعيق، ليس بالصراخ، ليس بالأصوات النشاز، كيف يتصدى للأذان بعض من هؤلاء الذين لا يملكون جودة الصوت، وحسن الأداء، ورقة النداء، أين هؤلاء من الأصوات الندية التى نعشقها، نتشوق كل صلاة لنداء الحق بصوت جميل، نحن فى شوق إلى صوت مثل صوت بلال مؤذن الرسول، «راجع مجددا حديث العقاد».
تخيل يامؤمن أن من يرفع الأذان بعض عمال المساجد، ويمسك بالميكرفون أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، ويتجرأ على الأذان العابثون، يقينا لا تملك وزارة الأوقاف مؤذنين كفاية يغطون المساجد الكبيرة الجامعة، فما بالك بالزوايا، آلاف الأصوات تزعق فينا، ترفع الصلاة على وقتها وتقيم الصلاة على أوقات، دون ناظم ينظمها ولا صوت جميل يرفعها، الرحمة بالأذان، يستوجب إنقاذه من أصوات المؤذنين بصوت واحد موحد حى جميل.. أنه داعى السماء.