خبر القبض على رئيس حى مصر القديمة، لتلقى رشوة نظير عدم هدم برج مخالف، أخشى بات خبرًا عاديًا، الرقابة الإدارية تتعقب رؤساء الأحياء، وتوالى أخبار القبض عليهم يؤشر على بؤرة فساد، فساد رؤساء الأحياء يحتاج إلى وقفة صارمة، السمكة تفسد من رأسها، وإذا كان رئيس الحى فاسد!..
قبل سقوط رئيس حى مصر القديمة سقط رئيس حى الدقى مرتشيًا «يونيو 2018» وقبلها سقط رئيس حى الهرم «أغسطس 2018» وقبل اللى قبلها سقط رئيس حى الرحاب، ثم رئيس حى غرب الإسكندرية، ورئيس حى غرب شبرا الخيمة، ورئيس الموسكى، وهذا فيض من غيض كما يقولون.
متوالية سقوط رؤساء الأحياء باتت ظاهرة، ويستوجب تقصى أسبابها، سيما أن البعض منهم وراءه تاريخ وظيفى عريض، وملف سابق نظيف، وترشيحات جرى التوافق عليها، يستوجب بحث الحالات، والوقوف على الأسباب، واكتشاف مواطن الزلل، ما الذى يجعل موظفًا كبيرًا مستورًا أو ثريًا يرتشى، لماذا يسقطون هكذا تباعًا كالذباب فى مصيدة الفساد؟..
نعم الفساد فى المحليات للركب، والفساد بينخر فى أساسات الأحياء، ورؤساء الأحياء يقبضون على سلطات وصلاحيات تترجم بالمليارات، وفى غيبة الرقابة الشعبية يتجبر الفساد، المال السايب يعلم السرقة، والأحياء هدف مستهدف لمافيا الهدم والردم وناطحات السحاب، واستصدار التراخيص، وذبح الفيلات، وهدم القصور، ومخالفة الشروط، والإطاحة بخط التنظيم، وخرق سقف الارتفاعات، وكلها نماذج للمخلفات الصارخة التى تخزق العيون وتدر على الفاسدين أموالًا فاسدة.
ويظل توقيع رئيس الحى هو الأغلى ثمنًا، هو الهدف والمستهدف، رئيس الحى يملك من الصلاحيات ما لا يؤتمن عليه إلا من كان تقيًا متقيًا يخشى ربه، سلطات رئيس الحى واسعة، والبعض ذمته واسعة، ولا تحدها حدود، صلاحيات مطلقة، ونافذة، ومخترقة لحجب القانون، قانون المحليات يعطى لرؤساء الأحياء ما لا يعطيه لوزير التنمية المحلية أو المحافظين، رئيس الحى وفقًا للقانون تكون لــه ســلطات وكيــل الــوزارة ورئيــس المصلحــة فــى المســائل الماليــة والإداريــة.
إذن هو وكيل الوزارة، وهو رئيس المصلحة، وهو الكل فى الكل، هو من يوافق ومن يصرّح ومن يقرر فى شؤون الحى، وهو المتصرف فى مصالح الأحياء، وهو صاحب التوقيع الخطير، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.
لذا استهداف رؤساء الأحياء من مافياوات الأحياء مخطط وممنهج، وإذا كان السقوط نصيب البعض من ضعاف النفوس فى شبكات الفساد، فإن حماية رؤساء الأحياء من أنفسهم أولًا، ومن شبكات الفساد المتغلغلة فى الأحياء واجب مستوجب تنهض به الرقابة الإدارية التى باتت رعبًا لرؤساء الأحياء، ولكن الفساد يتحدى، وكلما سقط فاسد التف أخطبوط الفساد على قدمى فاسد آخر، والفساد يعرف طريقه جيدًا، ويسلك طريقه للإفساد المنظم.
تأخير صدور قانون المحليات الجديد فى مجلس النواب عواقبه وخيمة، كما تقول سطور قضايا الرقابة الإدارية، أعان الله الرقابة على عبء حماية وصيانة المال العام، جذر الشجرة الفاسد يستوجب قانونًا رادعًا، يحوى آليات رقابة مانعة، وحدود لسلطات رؤساء الأحياء تمنع فسادهم الوقح، وسقوطهم فى شبكات الفساد.
يستوجب التعجيل بإصدار القانون، وأرجو أن يحمل جديدًا فى طريقة اختيار رؤساء الأحياء ومثلهم رؤساء المدن والقرى، واستحداث رقابة مانعة للمجالس المحلية، وتعظيم دورها فى المراقبة والمحاسبة وسحب الثقة.
وأتمنى على هيئة الرقابة الإدارية عبر خبرائها المعتبرين أن تتوفر على دراسة ظاهرة فساد رؤساء الأحياء من خلال ملابسات القضايا الأخيرة، لبحث من أين يأتى الفساد والإفساد، وأين يكمن الخلل، وكيف يمكن سد الثغرات التى تنتهى بسقوط رؤساء أحياء يملكون سجلًا نظيفًا فإذا ما ذهبوا إلى الأحياء فسدوا أو تم إفسادهم.