قال: تحدثنا عن رحمة الكلمات: وتعنى أن تعرِف الرحمة طريقها إلى كلمات الإنسان فلا تسبب آلامًا للآخرين كالكلمات الطيبة والمشجعة، فى الوقت الذى تكون الكلمات الساخرة هى القسوة بعينيها إذ تجرح أنفس البشر. أتوجد أنواع أخرى من الرحمة؟!
قلت: لا تتوقف مظاهر الرحمة فى طريق الحياة؛ فهى إحدى ملِكات الفضائل التى تقود الإنسان نحو السماء، فيذكر فيها أحد الآباء: "«الرحمة» حامية لمن يمارسها؛ إنها عزيزة عند الله، تقف دائمًا جواره تسأله من أجل الذين يقدمونها"، وأيضًا: "(الرحمة) تنفتح أمامها أبواب السماوات بضمان عظيم، وكملكة تدخل ولا يجسُر أحد الحُجَّاب عند الأبواب أن يسألها عمن هي، بل الكل يستقبلها فى الحال. هٰكذا أيضًا حال الرحمة: فإنها بالحق ملكة حقيقية ...". وأحد مظاهرها هو "الرحمة بالضعفاء".
صمت قليلاً وتساءل: من تقصد بالضعفاء؟! أقصد: كل من يحسَبهم البشر ضعفاء، وعلى سبيل المثال أولٰئك الذين ليس لديهم ـ وقد تحدثنا عن ذٰلك سابقًا ـ أو من يعانون أمراضًا ويحتاجون إلى مساعدة الآخرين. فالقلب الرحوم يمُد يده لمساندة أولٰئك البشر وقد تكون المساندة بالعمل من أجل حياتهم؛ ومن تلك النماذج: الطبيب المِصرى العالمى بروفيسور د. "مجدى يعقوب" الذى ينبض قلبه بالحب تجاه البشر فيعمل عملاً مضنيًا حيث يقوم بإجراء الجراحات التى قد تمتد إلى أكثر من اثنتَى عشْرة ساعة من أجل استمرار نبض قلب إنسان. أيضًا شاهدت صورة طبيب علمت أنها لجراح صينى اسمه "هنج"، وهو يرقد نائمًا على الأرض منهكًا إثر قيامه بإجراء خمس عمليات جراحية طارئة متواصلة قرابة 28 ساعة!! أسرع صديقي، معلقًا: وماذا عن غير الأطباء؟! ابتسمت قائلاً: الرحمة تعرف طريقها فى قلوب من يبتغونها طريقًا، وحتما سوف تراها وإن كانت فى قلب طفل صغير! قبل أيام قليلة، شاهدت مقطع فيديو قصيرًا لا يتعدى الدقيقة لطفل لم يتخطَّ سنواته الست، يقف جوار سرير راقد عليه رجل مسن أظن أنه جَد الطفل ويبدو أنه غير قادر على الحركة؛ وإذا الطفل يقوم بإطعامه بعض الفاكهة. إنه قلب طفل امتلأ بالرحمة، والشفقة والمحبة.
وربما الرحمة تكون بإسعاد المتعبين الضعفاء وتحقيق أمنية أو حُلم من أحلامهم. قرأت عن مشروع خيرى أطلق عليه اسم "اُحلُم معي"، يحاول فيه المتطوعون تحقيق أمنيات أناس آخرين يعانون أمراضًا خطيرة. وعندما قام الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" بزيارة ذٰلك المنتدى الدُّولى للمتطوعين، شارك فى جلب السعادة إلى الطفل "كوليا كوزنيتسوف" البالغ عشرة سنوات وقد كان حُلمه أن يصافح الرئيس! وبالفعل التقى الرئيسُ الصبى ووالدته.
إن الرحمة، يا صديقي، هى طريق يسلكه الرحماء كلٌّ بحسب إمكاناته وما وُهب له من قدرات وملكات ووسائل. والقلب الرحوم يجد طريقًا إلى تحقيق السعادة للضعفاء والمحتاجين.