قواعد الدستور قواعد قانونية وطبيعة القاعدة القانونية قابليتها للتغيير والتعديل لأنها تمثل انعكاساً للأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، وطالما أن هذه الأوضاع والظروف متغيرة ومتطورة فيلزم أن يتم تعديل قواعد الدستور لكى لا يكون هناك فجوة أو انفصال بينها وبين الواقع.
فقابلية أحكام الدستور للتعديل ظهرت واستقرت مع الدساتير المدونة ودافع عنها المفكرون والثورة الفرنسية، بل إن الدستور الفرنسى الصادر 1971 نص صراحة على أن (الجمعية التأسيسية تقرر أن للأمة كامل الحق الذى لا يقبل السقوط فى تغيير دستورها)، إلا أن بعض الدساتير تضع حظراً على الحق فى تعديل بعض نصوصها سواء كان ذلك بصورة مطلقة أو خلال فترة زمنية محددة أو فى ظروف معينة تمربها تلك الدولة.
والحظر إما أن يكون زمنيا أو موضوعيا، والحظر الزمنى هو تحريم تعديل بعض نصوص الدستور أو كلها خلال فترة زمنية محددة، ومثال لذلك ما نص عليه الدستور اليونانى الصادر عام 1791 من عدم جواز تعديله قبل خمس سنوات على العمل به، أو ما نص عليه الدستور الفرنسى الحالى من حظر تعديل الدستور أثناء تعرض الإقليم الفرنسى أو جزء منه للاحتلال بواسطة قوات أجنبية، أما الحظر الموضوعى فهو النص على عدم جواز تعديل نصوص الدستور بصورة دائمة من أجل تدعيم نظام الحكم الذى أسسه الدستور، ومثال لذلك ما نص عليه الدستور المصرى السابق عام 1799 من عدم جواز تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابى البرلمانى وبنظام وراثة العرش وبمبادئ الحرية والمساواة التى كفلها الدستور وأيضا ما نصت عليه الدساتير الفرنسية المتعاقبة من عدم جواز التعرض للشكل الجمهورى للحكم وتحريم تعديل النصوص الخاصة به .
وباستعراض القيمة القانونية للنصوص التى تحظر التعديل الدستورى، فنجد أن غالبية الفقه الدستورى فى العالم يجمع على أن جميع النصوص التى تحظر تعديل الدستور هى نصوص لا تتمتع بأى قيمة قانونية، كونها تتعارض وتتنافى مع طبيعة القواعد القانونية وقابليتها للتعديل والتبديل، كما أن الجمعية التأسيسية التى وضعت تلك النصوص لا تملك وليس من حقها أن تقيد أو تصادر على حق السلطة التأسيسية المعبرة عن إرادة الأمة فى المستقبل .
أما عن رأى الأقلية فى الفقه الدستورى فى العالم والذى يرى أن تلك النصوص لها قيمة قانونية لا يحرم أو يحظر تعديل تلك النصوص، وإنما يبيح ذلك بشرط إسقاط الدستور معها ليكون هناك روية وتفكير قبل التعديل.
إن فكرة تحصين بعض النصوص الدستورية تتنافى مع فكرة الديمقراطية ذاتها ومبدأ سيادة الأمة وحقها فى تقرير مصيرها، فالتحصين وعدم قابلية التعديل تكون للنصوص الإلهية الواردة فى الكتب السماوية لأنها ليست من صنع البشر، أما ما يصنعه البشر فقابل للتعديل دائماً وأبداً تبعاً لظروف الحال والزمان .