"صفحة الحوادث" من أكثر الصفحات قراءة في الصحف، حيث يقصدها القارىء، وربما يعيد قراءتها عدة مرات، خاصة في ظل لجوء بعض صحفيو الحوادث لأسلوب السرد الشيق للقصص الإنسانية، التي تستلهم منها دوماً العبرة والعظة، وتردد بينك أنت ونفسك :"الحمد لله..أنني لم أكن مكان الجاني أو الضحية".
باعتباري محرراً للحوادث، اتعرض يومياً لعشرات القصص من الجرائم مختلفة التفاصيل، ما بين "قتل وسرقة وخطف"، لكن هناك بعض الجرائم تجبرك على التوقف أمام تفاصيلها كثيراً، وتفكر في الأسباب التي قادت الجاني لارتكاب هذه الجرائم.
على سبيل المثال، شهدت محافظة أسيوط في قلب الصعيد حادث جنائي بشع، عندما ذبحت أم طفليها، العنوان يكاد يكون صادم، لكن الأكثر قسوة هي التفاصيل، عندما تعلم بأن "عائشة" فتاة تزوجت وعمرها 17 سنة، وأنجبت طفلين "عمر" يبلغ الآن من العمر 6 سنوات، و"زياد" 4 سنوات، وباتت السيدة تعاني من بعض الأمراض جعلتها تتردد على طبيب نفسي.
نظرات الجيران القاسية للسيدة المريضة لم تتوقف لحظة، فهم يرون أنها "مجنونة" لدرجة جعلتها تخاف على أطفالها أن يمنحوهم لقب "ولاد المجنونة"، فقررت أن تريحهم من هذا العبء ـ على حد تفكيرها ـ وفي سبيل ذلك دعتهم للعب معها "استغماية" وبعدما عصبت أعينهم ذبحتهم، وأبلغت الشرطة ليتم القبض عليها.
ما أسرده لك الآن، ليس حديثاً يفترى ولا فتوناً في الحديث، ولكن هي وقائع حقيقية، حدثت وتحدث وسوف تحدث.
هذا النوع من "تنمر الجيران" ضد السيدة المريضة، لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، فمن منا لا يعاني من تدخل جيرانه في حياته بشكل مخيف ومقلق، من منا لا يعاني من جاره الذي يتدخل في حياته ويهتم بتفاصيلها أكثر من الشخص نفسه، من منا لا يتعرض لضغوط مستمر من الجيران، قد تفقده أعصابه ليتركب الجرائم.
إننا بحاجة أن نغض الطرف عن الآخرين، لا نحشر أنفسنا في مساحاتهم الشخصية، فقد يتسبب ذلك في إجبارهم بالخروج عن المألوف وصولاً لإرتكاب الجرائم.
إذا كنا نبحث دوماً عن السعادة الحقيقية وراحة البال لأنفسنا فهذا يستوجب علينا أن لا نهدر وقتنا في التدخل السافر في حياة الآخرين، لكي لا يتدخلوا هم أيضاً في حياتنا، وحتى لا نصبح جميعاً ـ أنا وأنت ـ إما قتلى أو متهمين.