دعونا نتفق بداية أنه ليس هناك عاقل من الممكن أن يقر بتزييف التاريخ، ومهما بلغت درجة اتفاقك أو اختلافك على الدكتور محمد البرادعى فلا مجال للشك أنه حصل على جائزة نوبل.. إذا فماذا يكشف لنا حذف أسمه من مناهج الصف الخامس الابتدائى.
حينما تم اكتشاف حذف اسم البرادعى ووصل الأمر للقيادات تبرؤوا منه فى البداية، ثم أعلنوا أنه مجرد خطأ سيتم تصحيحه ومحاسبة المسئول وسيعود الاسم لموقعه، والمفاجئة الأكبر أن الاسم بالأصل موجود حتى الآن فى فصول "ثانية ابتدائى".
هل أبانا الذى يدير كل شىء يقف خلف حذف اسم البرادعى، الأزمة أنه رغم خطورة النظرية البوليسية التى يحب البعض تصديقها ، وفكرة أبانا الذى فى جهاز عملاق يعرف كل شيء ويحرك كل شيء فى البلاد ، فإن كل القرارات السابقة، وعدم حذف الاسم بالأصل من المواد الدراسية للصف الثانى الابتدائى ، والاعتراف بالخطأ وتصحيحه يثبت أن هناك نظرية أخطر من نظرية أبانا الذى يدير كل شىء وهى نظرية الـ"لا نظام" والعمل العشوائى، والغشومية التى تدير معظم مؤسسات الدولة .
أخطر من نظرية "أبانا" هو أن نكتشف أنه لا توجد نظرية من الأصل لإدارة مؤسسات الدولة التى نعيش فيها، وأن تكون أخطر القرارات يتخذها صغار الموظفين دون آليات –من داخل المؤسسات نفسها- للمتابعة والتدقيق قبل اتخاذ القرارات.
أضف لواقعة الدكتور البرادعى وقائع عديدة مثل القبض على إسلام جاويش، الرسام المبدع على مواقع التواصل الاجتماعي، وقضايا مثل ضبط طالب وبحوزته رواية 1984، ومحتجز التى شيرت، وغيرها من القضايا التى يظن أصحابها أنهم يحسنون صنعا لدعم النظام الذى يدير البلاد وهم مع الأسف ضل سعيهم أبعد ضلال.
لا يمكننا قراءة كل هذا دون أن نعود للتصريحات التى أدلى بها رجل الأعمال السعودى الكبير، والذى يعتبر من أهم المستثمرين العرب فى مصر، الشيخ عبد الرحمن الشربتلي، والتى أكد خلالها أن مصر يديرها الموظفون، وأنه فى بعض الأحيان كان أمضاء الوزير يعطل، وتتوقف مشاريع ضخمة داخل أدراج أصغر الموظفين الذين يعتقدون أنهم بهذا يحافظون على النظام.
حذف أسم البرادعى وكل الأخطاء "التافهة" و"الساذجة" التى تقع فيها الدولة ، تجعل من الضرورة إعادة النظر فى نظام العمل داخل أروقة المؤسسات المختلفة ، وفى الوقت الذى قد يفرحنا فيه اكتشاف أنه لا توجد –غالبا- يد خفية تعمل فى الظلام لإدارة كل شىء ، يجب أن ننتبه لأن الأيادى التى تعمل عن جهل ربما تكون هى الدب الذى يقتل صاحبه ، وهى المصدر الرئيسى لمعظم الكوارث.
اليد التى توقف شاب فى عربة ميكروباص لمجرد أنه ملتحي، والتى تعطل مصالحنا فى الشهر العقارى أو المرور، هى نفسها التى يقع تحت يديها ملف هام لرجل أعمال فتوقفه وتعطل الاستثمار ، وهى التى تصنع أزمات سياسية ضخمة كالأزمة الأخيرة .
نحن هنا لا نعفى الدولة من مسئوليتها ، بل على العكس، هى تتحمل كل المسئولية الآن عن ضبط آليات العمل داخل المؤسسات، وتبنى خطاب إعلامى يكشف لهؤلاء أن دعم النظام ليس بتزييف التاريخ أو اعتقال الشباب من أصحاب الرؤى السياسية التى لا تتفق مع النظام الحاكم.. كيف تتخذ القرارات.. هذا هو السؤال الأهم الآن.