فى 27 من الشهر الحالى تفتتح الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، معرضا استثنائيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى فى مجمع الفنون بالزمالك، وعلى مسؤوليتى الشخصية أعدكم بأننا فى هذا المعرض سنستطيع أن نغرق فى زمن من الفن والعلم والثقافة الرفيعة، زمان كان الفن غرضا فى حد ذاته، ولم يكن وسيلة، كان كل شىء لا يتم إلا بخطة فنية محكمة، لا شىء يتم عشوائيا، لا شىء يخضع للارتجال، وقد اختار مقيم العرض ومدير المجمع الفنان الوثاب «إيهاب اللبان» اسما على قدر كبير من البلاغة والإيجاز «ملامح عهد» لكى يؤكد أن الفن ليس أمرا ترفيهيا وليس كذلك أمرا شكليا، لكنه يحمل رسالة تأريخية كبرى، كما يحمل روح الزمان والمكان، ويعكس بكل بلاغة ملامح التكوين فى صيغة جمالية قد لا تتكرر، مثلما لا تتكرر البصمات.
يضم هذا المعرض العديد من الأعمال الفنية لأسرة محمد على التى حكمت مصر حتى منتصف القرن الماضى، ولكى ندرك ماذا تعنيه كلمة «فن» وما تعنيه كلمة «ثقافة»، علينا أن ننتبه إلى القطع الفنية التى سيتم عرضها فى هذا المعرض الاستثنائى لا تضم تماثيل أو لوحات أو تحفا فحسب، لكنها ستضم أيضًا أدوات الحياة اليومية العادية التى تخبرنا كيف كنا فى زمن مضى نراعى الفن فى كل شىء، ونربى الجمال فى العيون عبر الاهتمام بكل شىء، فالعين تتثقف أيضًا بالجمال، حينما ترى التناسق فى «ملعقة» أو «شوكة» أو «طبق» تفزع حينما ترى التشوه فى العمارة أو القمامة فى الشوارع.
الجميل فى الأمر أن المعرض لم يكتف بالعرض فحسب، لكنه وضع هذا العرض فى إطار نظرى محترم، عبر قلم رشيق وعقل واع وإلمام واف للباحث الدكتور ياسر منجى الذى يعد من أهم ناقدى الفن ومؤرخيه الآن إن لم يكن أهمهم، وقد نشرت «انفراد» العديد من المقالات الفنية المهمة التى تؤرخ للحياة الفنية فى مصر بمرحلة ما قبل الثورة لمنجى، ورأى الجميع ما يتمتع به هذا الباحث من جدية ودقة وإحاطة، غير غافل عن الظروف التاريخية ولا متجاهل للدوافع النفسية والاجتماعية التى تؤثر فى حياة الفنانين، وإنى على يقين من أن معرض كهذا جدير بأن يوقظ الهمم لصناعة نهضة حضارية حقيقية تقارب ما شرعت أسرة محمد على فى إقامتها، وإنى أتمنى أن يحضر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، لهذا المعرض ليكون أكبر داعم لإطلاق مشروع نهضة مصر الثقافية وأول محرك لها.