لفرقة إسكندريلا التى يقودها الموسيقار العبقرى حازم شاهين أغنية رقيقة بعنوان «يسعد مساك يا جميل»، وقد استلهم فيها كاتب الكلمات «أحمد الحداد» تلك «التمسية» التى كان الشعب المصرى يتبادلها وقتما كنا نتبادل الدعوات بالسعادة فى كل وقت، فكنا نقول «يسعد صباحك» فى الصباح و«يسعد مساك» فى المساء و«نهارك سعيد» بعد الظهر، و«ليلة سعيدة» فى آخر اليوم فيرد الآخر «سعيدة ومباركة»، كما كنا نتمنى لبعضنا الخير البعض بصباح الخير ومساء الخير، لكن لا أعرف لماذا تحولت تحياتنا إلى بعضنا البعض، فأصبحت بهذا الجفاف المعلب وهذه الآلية التى لا تناسب اليوم ولا تراعى تغيراته.
اختلفت الثقافة فصارت أكثر جفافا، أصبحت لا شىء، أصبحنا لا شىء، معرضين دوما إلى الغزوات المتتالية، من الشرق تارة، ومن الغرب تارة، كانت حياتنا فى السابق تخصنا، حياة مصرية بكل تفاصيلها، هويتنا تغلب على كل شىء، هويتنا تظهر فى كل شىء، فى المأكل، فى الملبس، فى الصباح والمساء، فى الأغانى، فى الحب، فى الشعر، فى الموسيقى، فى الحديث، فى الكتابة، فى التلقى، كنا أكثر حلاوة، أكثر نقاوة، أكثر قوة، أكثر شراسة فى صد أى هجوم، وأكثر احتراما من أن نكون مطية لأى عابر.
يسعد مساك يا محمد، يسعد مساك يا طه، يسعد مساكى يا نادية، يسعد مساك يا جورج، يسعد مساك يا عبده، تعبير موحد، لشعب واحد، ولجهة واحدة وشعور واحد، الجميع يتمنى السعادة للجميع، والجميع يتمنى الخير للجميع، لا وجود لحرب أو صراع ولا وجود لتفرقة بين طائفة وأخرى أو فئة وأخرى، الجميع يقول نفس الشىء، والجميع يرد بنفس الرد.
وقتها لم نكن بحاجة إلى التأكيد على «الوحدة الوطنية»، لأننا كنا بالفعل وطن واحد، فلا يحتاج الرجل طويل القامة إلى أن ينفى صفة القصر عنه، لكن غيره يحتاج إلى أثبات طوله، لا عن طريق التطويل أو عن طريق التطاول، كان الوقت يعرِّف نفسه بنفسه، ولم نكن كالمبطوح الذى يحسس على بطحته كل هنيهة، لنؤكد أننا نعيش فى أمان وسلام، أو وفاق ومحبة، لأن محبتنا كانت تعلن نفسها بنفسها، والسعادة كانت أمنيتنا المشاعة من الجميع إلى الجميع بتحية لها طعم.