كل عام ومصر بشعبها على اختلاف طوائفه ومذاهبه وألوانه بخير وسلام وأمان، عالية فوق رؤوس الجميع وبعداً لكل الخونة واللئام.
وكل عام وجنود وضباط مصر الأشراف الذين يضحون بالأرواح لينعم كل منا بنومٍ هادئ مطمئن بخير وسلام وحفظٍ من الحى الذى لا ينام .
وبحلول الذكرى الثامنة لثورة يناير وما أسرع مرور السنوات، أسترجع ذكرياتى بما تحمله من آمال وآلام، نجاحات وإخفاقات، مؤامرات وإصلاحات، مخلصون وخونة، منتفعون وعاشقون لتراب مصر، ضمن هذه الملحمة الكبيرة المليئة بالمشاهد الكثيرة المتلاحقة المتداخلة.
وكما فتحت دفتر ذكريات الثورة لأستعيدها من جديد بعد مرور الثمانى سنوات، فقد تمكنت كذلك من إكمال الكثير من السطور المفتوحة والتى امتلأت بعلامات الاستفهام، والجدير بالذكر أننى قد استطعت التخلص من عدد لا بأس به من تلك العلامات لاستبدلها بحقائق واقعة مؤكدة، وإجابات على أسئلة لم تكن لها أن تحظى من قبل بتلك الإجابات.
الحمد لله فقد هدانى عقلى الذى أنهكته سنوات طويلة من الفكر المستمر فى حقيقة الأمر، واطمأن قلبى الذى استفتيته عشرات المرات لأقف فى النهاية موقف المعتدل المحايد الذى لا تستهويه المعسكرات ولا التحزبات ولا غيرها من مسالك الجنون التى أصابت عددا ضخما من المصريين، وبثت بينهم الفرقة لحد وصل فى كثير من الأحيان إلى أقصى درجات التطرف.
فخلاصة القول أن الخامس والعشرين من يناير كانت ثورة بأمر الشعب ليس لها وكلاء حصريون، وإن لم ينحاز المصريون إلى خيار الثورة على الفساد لم لتكن أبداً ثورة، وأن المؤامرة التى حيكت لمصر من عدة أطراف ترقبوا وتسللوا وجندوا العشرات من الخونة الذين باعوا ضمائرهم وتجردوا من كل معان الوطنية بجانب جماعة التضليل التى كانت أول المنضمين وأخلص المنفذين للخطة المرسومة والتى باتت معلومة للصغير قبل الكبير، ما هم إلا حفنة من الأشرار قد ذهبوا وخططهم إلى جحيم الازدراء والاستبعاد.
فالآن قد اكتملت الصورة وتلاشت كل الأجزاء المنقوصة وأُزيلت معظم علامات الاستفهام، وما كان لغزاً محيراً منذ سنوات، أصبح واضحاً جلياً موثقاً بالأدلة والإثباتات.
فلم يعد المجتمع يحتمل كل هذا التنظير الذى يصدر عن معسكر المغيبين عن الواقع، هؤلاء الذين يرفضون إخراج رؤوسهم من الرمال كى لا يروا الواقع بكل ما يحمله من متناقضات، طائفة المنتظرين عودة الثورة من جديد، وبكل أسف فهذه الطائفة تكرر نفس الأخطاء بنفس الكيفية دون أن تقرر وقفة مع النفس ولو لمرة واحدة لرؤية الصورة الكاملة، والتى إن رأتها بعين العقل لن تستمر لحظة واحدة فى غيها ولن تستدعى من جديد كل قطاعات الخونة والحاقدين والإرهابيين لتستقوى بهم من جديد من أجل هدف واحد فقط وهو (عودة الثورة فحسب).
عزيزى الثائر دائماً وأبدا كنت يوماً ليس ببعيد اصطف معك وأقف بجانبك فى ميادين الثورة منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى الثلاثين من يونيو، كنا ندافع معاً عن قضية واحدة تمسنا جميعاً كمصريين وهى تطهير أرض مصر من الفساد والاستبداد والثورة على الفقر والجهل والمرض وانعدام الكرامة الإنسانية، التى عانى منها شعب مصر عقوداً طويلة إلى أن سقط نظام الاستبداد، ثم اتضح لنا جميعاً أن هناك من يتربص بنا وفى غفلة من الزمن انقض علينا وسرق ما حققناه من نصر بمنتهى الخسة طبقاً لخطة توزيع المغانم التى وُضعت ضمن بنود مشروع الشرق الأوسط الجديد وتمكين المتطرفين من الحكم لتفتيت المنطقة وإنهاكها والتى تمكنت الرؤوس المدبرة من تحقيقها فى بلدان مجاورة شقيقة ولكنها فشلت على أرض مصر.
فقد تدارك المصريون الخطأ وانتفضنا لنعود مجدداً إلى ميادين الثورة على الإخوان ومن خططوا لتمكينهم لنحرر مصر من جديد، وبالفعل قد ذهب الإخوان وخططهم ومن دبر لهم أدراج الرياح، ولم يعد يتبق لهم سوى الغل ومحاولات الانتقام وبعض العمليات الإرهابية التى لن تهتز لها مصر ولن تتوقف عن مسيرتها لتعود للخلف من جديد.
كان هذا التوقيت آخر عهدى بميادين الثورة وآخر عهدى بالتلاحم المصرى الذى تخللته عوامل خفية وأغراض ومنافع شخصية وأجندات خارجية، فأصابته بالشقاق والافتراق، وقد حان الآن وقت الاختبار.
فمن يريد خيراً لهذا الوطن فليمد يداً للمساعدة قدر استطاعته وإن كانت بسيطة، ومن يدعو للتذمر ويبث السموم وينفخ فى النار لإشعال الفتنة وتأجيجها ما هو إلا منتفع وبنفسه غرض.
بنى وطنى.. لِم نفترق ونحن فى مفترق الطرق؟ لِم نسمح لعدو لنا أن يشق صفوفنا ويشتت شملنا؟ حتى وإن اختلف أحدنا بالرأى مع الآخر ورأى من السلبيات أو الإيجابيات ما لا يراه أخاه على نفس الأرض وتحت نفس السماء، فليرجأ خلافه ويكبح جماح غضبه ليعلنه بحب ووطنية بعد أن ننجو بوطننا ونعبر به هذا المفترق وتلك الضائقة لعل الله يجعل لنا من بعد عسرٍ يسر .
فلنحتفل بعيد ثورتنا العظيمة ونسترجع ذكرياتها ونتدارك أخطاءها لأننا فى النهاية من فزنا بإيجابياتها وما زلنا نتخلص من سلبياتها ونكشف ونستبعد خونتها وعملائها.. وكل عيد ثورة ومصر بخير وسلام وأمان وبُعداً للخونة واللئام.