بدأت المعركة أولا اعتراضا على جشع تجار السيارات، بعنوان خليها تصدى، وفيها ابتكر الشعب المصرى آلية شعبية لمواجهة الجشع المتعاظم فى قلوب رجال هذا القطاع ورجال أعماله، ولما أثرت الحملة بشكل حقيقى، سار البعض على دربها بعمل حملة أخرى بعنوان «خليها تعفن» وذلك اعتراضا على جشع تجار السلع الغذائية الذين يبيعون سلعهم بأضعاف أسعارها الحقيقية، إلى هنا كانت الحملات على الطريق الصحيح، وبالفعل بدأت هذه الحملات فى التأثير على المزاج العام للمواطن، وعلى صناع القرار فى أوساط رجال الأعمال، وقد كانت لهذه الحملات فائدتان أساسيتان، الأولى فائدة اقتصادية عن طريق تشكيل أدوات ضغط شعبية تجبر التجار على تخفيض الأسعار وتحريك الركود، والثانية فائدة اجتماعية عبر زراعة ثقافة الاستغناء فى قلوب المواطنين، وهى فضيلة غالية طالما حاولنا زراعتها فى القلوب والنفوس، لكن للأسف فقد فسدت مثل تلك الحملات تماما كما تفسد المشروعات الصغيرة التى ما إن يربح أحد منها حتى تجد آلافا يقلدونه طمعا فى الربح دون دراية حقيقية، وتحولت إلى كابوس حقيقى حينما أزاحها البعض «اجتماعيا» وأصبحت مجالا للسبب والسب المقابل.
بعض الشباب تصوروا أن البنات «سلعة»، لأن بعض الأهالى يغالون فى وضع الشروط المجحفة فى الزواج، فقالوا «خليها تعنس» وهو تصور من وجهة نظرى غير سوى وغير أخلاقى وغير محترم، لكن الأبشع منه أن ترد بعض البنات بحملة مضادة تحت شعار «خليك فى حضن أمك» وهو شعار يحمل الكثير من الإهانة والكثير من التلميحات غير الشريفة أيضا، فـ«حضن أمك» هنا هو البديل لـ«حضن العروسة»، وبالطبع ليست الأم كالعروسة، فلماذا قال البعض «خليك فى حضن أمك» وليس «خليك عند أمك»، ولماذا تتحول القضية إلى هجوم على الشباب فى حين أن المقصود فى حملة الشباب هو الهجوم على بعض السلوكيات الخاطئة؟ وإذا كنا لمنا على الشباب اعتبار البنات سلعة وإبداء الرغبة فى مقاطعتها، فلماذا استجابت البنات للأمر وتعاملت مع نفسها ومع الشباب بنفس المنطق؟
هل هذا هو المرجو من مجتمع رشيد؟ هل هذا هو الحل الأمثل للعلاقة بين الجنسين؟ أإلى هذا الحد وصل التطرف فى تعاملنا مع بعضنا البعض؟