لكل داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ.. إلاّ السفاهة أَعيتْ من يُداويها.. قال سفيه منهم: «خليها تعنس»، فردت عليه حانقة: «خليه يخلل»، وبزيادة من السفاهة حبتين: «خليه فى حضن أمه»، وتوترت الأجواء، واستعرت حرب البسوس، وانفجرت ماسورة الفيسبوك لتغرق الجميع، وتلطيخ سمعة، وهباب وسخام.. كل ده كان ليه؟
يصعب على الفهم الناضج هذه الحالة من الاحتراب الفيسبوكية، التى انفجرت إذ فجأة دون سابق إنذار، محزنة للغاية لغة الحوار بين الشباب من الجنسين، تدنت قوى، ومسخت، وفاحت رائحة المكنون فى الصدور، تخيل المفردات المستخدمة، تعنس، يخلل، وحضن أمه، وماذا بعد التترى فى الوحل؟
من أطلق حملة «خليها تعنس» سفيه، وأخشى أنه يعانى من رفض مجتمعى، وكراهية الجنس الآخر، ويتقول على أحن الكائنات، ويتجاوز فى حقهن، ومثله يستوجب علاجه نفسيا فى مصحة نفسية من عقدة الاضطهاد النسوى، وربما يكون متحرشًا، الحملة فى النهاية «تحرش لفظى»، يفكرنى بحملة مشبوهة شيرها مشبوهون لإهانة المرأة المصرية بمقارنتها بالمرأة اللبنانية والسورية وحتى الخليجية، يغرفون من نفس البئر المسمومة فيغرقون أنفسهم، وتتماهى مع حملة إخوانية قذرة عمدت إلى إهانة المرأة المصرية ووصمها بما ليس فيها، فقط لأنها خرجت على طاعة المرشد.
لا أخفى انحيازًا سافرًا للمرأة المصرية، هذا ما ربتنى عليه ربات الصون والعفاف من سيدات العائلة الريفية البسيطة، التى تقودها الكمل من السيدات إبحارًا فى موج الحياة العاتى، لا شكين ولا قلن آه، صبرهن صبر الجمال، جمل الحمول وهن جميلات وصابرات على الأذى.
ومن هذه الأرضية أرفض دخول أرق الكائنات هذا النفق ردا على هذه الحملة المخزية، مطلوب جر نساء مصر إلى هذا المستنقع، ولترفع بناتنا ثيابهن عن هذا الوحل، وليتجنبن الاحتراب، فالنار التى يوقدها مشعلو الحرائق فى ثياب الوطن، إن لم تجد ما تأكله أكلت نفسها، وتتحول إلى رماد تذروه رياح الشتاء العاصف.
أقول قولى هذا وأشتم رائحة كريهة فى هذا الحكى المباح على الفيس، والذى وإن بدا فكاهيا، شباب بيتسلى، ويزجى وقت فراغه، لكنها مزعجة وتستهدف تحويل الأنظار عن التحدى الحقيقى أمام هذا الجيل الواعد فى فرصة حياة كريمة إلى عبثيات مجتمعية تمس سمعة بنات مصر بين نساء العالمين.
هل هى مصادفة أن تطلق حملة «خليها تعنس» فى إثر حملة «خليها تصدى» التى ضربت تجارة السيارات فى مصر، هل هناك رابط، إحباط حملة ناجحة بحملة مسيئة، لا شىء مصادفة فى عصر الفيسبوك الموجه، خليها تعنس «لخطف الاهتمام عن خليها تصدى»، وتستكمل عملية الإجهاض الممنهجة بـ«خليه يخلل»، و«خليه فى حضن أمه»، الحكاية بقت خل خالص، المهم ينشغل رواد السوشيال ميديا بعيدا عن «خليها تصدى» وتنجو تجارة السيارات من حملة مهمة.
لا أحلق خيالا، ولا أنا بكبر الحكاية، الحكاية فيها إن وأخوتها، شهور وعمليات إشعال الحرب المجتمعية بين الرجال والنساء مستمرة، عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى، وكلما هدأت استعرت، حملة «خليها تعنس»، فضلا عن كونها حملة تخلو من الذوق والأدب وحسن الرباية، فإنها تنسج على نفس المنوال، حربًا ضروسًا بين الرجال والنساء.
«خليها تعنس»، عيب، لو أختك أو بنتك هل يرضيك هذا الشعار؟ كلنا هذا الرجل، كلنا أب وأخ وخال وعم، ما من بيت يخلو من عروسة على وش جواز، عيب قوى تجرحوا أرق الكائنات، عيب تجرحوا الورد البلدى، البنت المصرية لو دبلت ريحتها فيها، كمال وجمال ورقة وأدب، البنات أجمل الكائنات غصب عنك أنت وهو، قبر لما يلم العفش.