أحدث فوز المنتخب القطرى ببطولة كأس آسيا لكرة القدم جدلا كبيرا فى الأوساط الرياضية العربية، خاصة أن الفريق الفائز بالبطولة يضم 18 لاعبا مجنسا أى غير قطرى، الأمر الذى يعتبره البعض نوعا من التحايل والكذب لحصد البطولات بطريقة غير مشروعة، كما يعتبره البعض الآخر اتجاها عالميا مستشهدين بما فعلته وتفعله فرنسا التى حصدت كأس العالم الأخير فى روسيا، وكانت تضم بين صفوفها أكثر من 15 لاعبا من أصول غير فرنسية، وهنا لابد وأن نعالج هذا الجدل بروية وتمهل حتى لا ننحاز إلى اتجاه من الاتجاهين بصورة متعصبة وغير منطقية.
ما فعلته وتفعله قطر فى جميع اللعبات أنها تشترى اللاعبين صغار السن وأسرهم وتغرقهم بالمال وتمنحهم الجنسية ليلعبوا باسمها فى المحافل الدولية، وهى بالفعل تتحايل على القانون المنظم لعملية التجنيس، ولعل الشكوى التى قدمها الاتحاد الإماراتى ضد نظيره القطرى للاتحاد الآسيوى، تكشف تفاصيل فنية تتعلق بالفارق بين التجنيس المشروع والتزوير غير المشروع.
المادة 7 فى قانون الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» والخاصة بمسألة تجنيس اللاعبين، تنص على أن التجنيس ممكن بشرط إقامة اللاعب 5 سنوات على الأقل فى البلد التى سيلعب لمنتخبها، وأن تبدأ فترة مكوثه فى تلك البلد وهو فى الـ18 من عمره، ويحق له تمثيل منتخب تلك البلد بعد بلوغه سن الـ23 على أقل تقدير، ولابد ألا يكون اللاعب شارك مع منتخب بلد آخر فى منتخبات الشباب أو الفريق الأولمبى أو الفريق الأول، ويستطيع اللاعب الذى لم يبلغ بعد 23 عاما أن يلعب مع منتخب دولة بشرط أن يكون أحد والديه أو أحد جديه سواء للأب أو للأم، من مواليد تلك الدولة.
الشكوى الإماراتية للاتحاد الآسيوى ضد قطر استندت إلى وثائق تؤكد أن قائمة قطر التى تشارك فى كأس آسيا تضم 10 لاعبين مجنسين لم يبلغوا بعد الـ23 من عمرهم، وهم بسام الراوى وطارق سلمان وأكرم عفيف وتميم محمد المهيزع وسالم الهاجرى وعبدالرحمن محمد مصطفى والمعز على ويوسف حسن ومحمد أحمد البكرى وعاصم ماديبو.
كما تضمنت الشكوى الإماراتية وثائق تؤكد أن قطر قامت بمنح الجنسية لوالدة المعز على ووالدة بسام الراوى، باعتبار أنهما مولودتان فى الدوحة وذلك بشهادتين مزورتين من وزارة الداخلية القطرية، على أساس أن الدفاتر دفاترهم والبلد بلدهم ويستطيعون نزع الجنسية من عشرات الآلاف من قبيلة آل مرة ومنحها لمواطنين عرب لم يروا قطر إلا فى السنوات الأخيرة، وكله «تستيف أوراق» والسلام.
الحالة الفرنسية والأوروبية مختلفة عن الحالة القطرية، لأن أوروبا أصلا تعتمد فى استراتيجيتها الديموجرافية والتنموية على استقبال نسبة سنوية من المهاجرين وخصوصا أبناء المستعمرات الأفريقية السابقة، وبالتالى هناك أجيال عديدة نشأت وعاشت فى فرنسا من أصول مغربية وأفريقية، وتتمتع بمواهب فطرية فى مختلف اللعبات، وتشق طريقها فى الأندية الفرنسية والأوروبية ومن ثم تلتقطها العيون الخبيرة لتضمها إلى المنتخب الوطنى.
العيون الخبيرة والإخلاص للمنتخب الوطنى هما مربط الفرس فى البطولات الدولية، فإذا كان لديك عيون خبيرة فى جميع المسابقات العمرية وتنتخب اللاعبين الذين يمثلون بلدهم على أساس الموهبة والقدرة والانضباط، وليس على أساس الواسطة وابن فلان والتلفونات اللى بتيجى من فلان وعلان لمدربى المراحل السنية عشان يضموا لاعبين ما أنزل الله بهم من سلطان فى نوع من الاستهانة بما يمثله ذلك من كوارث فى المنطق الإدارى العام، فمدربو المراحل السنية الصغيرة يظنون أنهم موظفون، يؤدون مهمة إدارية والسلام، كما أن طريقة اختيار المدير الفنى للمنتخبات الوطنية العربية فى المجمل تخضع لأهواء عديدة وتجد من بينهم السماسرة والمشبوهين ومن يفكرون فى الحصول على الشرط الجزائى فى عقودهم قبل أن يتولوا مهامهم!
أيها السادة لا تتحدثوا عن التجنيس ولا تعتبروه الشماعة الجاهزة لتعليق الفشل عليه، ولكن علينا أن ندرس تجارب مثل تجربة الجوهرى وشحاتة فى تدريب منتخب مصر وتجربة المدرب الوطنى ستانيسلاف تشيرتشيسوف مدرب المنتخب الروسى فى المونديال الأخير، الذى بحث عن المواهب الروسية بمن فى ذلك لاعبون أعمارهم تقترب من الأربعين لكنهم يعرفون معنى ارتداء قميص منتخبهم، ومع توافر الانضباط الإدارى والفنى وغياب الفساد والإفساد، كانت كل الأمانى ممكنة، كلامى واضح يا أساتذة.. يا ريت.