فى أبريل 2008، كنت من المشاركين، بدعوة النزول لميدان التحرير، للتضامن مع عمال المحلة، ودعوات العصيان المدني، التي انطلقت فى ربوع مصر، والتي اسقطت فيها صورة مبارك للمرة الاولي على يد قوي غير سياسية، وهي قوة عمال غزل المحلة، وبعيدا عن تفاصيل الحدث واستعداداته، وكل ما مررنا به خلال فترة الحبس، الا أن فى منتصف الفترة وبعد 17 يوم، من الحبس الاحتياطي قبل الاستئناف، وقررت المحكمة إخلاء سبيلي، ليتم نقلي إلى مقر أمن الدولة بلاظوغلي صبيحة اليوم الثاني من قرار أخلاء السبيل، ومع اقتراب سيارة الترحيلات من مقر المبني وعلى بابه بالتحديد دخل أمين شرطة للسيارة وقام بوضع عصابة علي عيني، ولم يكن الأمر بالغريب بالنسبة لي فلم تكن المرة الاولي التي ادخل بها مقر أمن الدولة، مقيد اليدين، ومعصب الاعين.
ظللت بهذا الوضع حتي قرر أحد الضباط التحقيق معي بعد مدة لا أعرف مدي طولها، وكان الحديث حول اسباب، المشاركة فى دعوات 6 ابريل، واسباب النزول وغيرها من الأسئلة، لينتهي المطاف بنزول أحد السجون الموجودة بالمبني ورفع العصابة من على عيني حتي العودة لسجن المرج بقرار أعتقال.
1
مع بداية نهار29 يناير 2011، وبعد أستراحة ليست بالطويلة، من أحداث جمعة الغضب، تجمع الألاف لمحاصرة مبني وزارة الداخلية وسقط شهداء جدد بمحيط الوزارة، واثناء تواجدنا بمحيط الوزارة ظلت جملة احد الاصدقاء عالقة بذهني، وهي ان معظم المشاركين فى الحصار يريدون ان تنتهي اسطورة "أمن الدولة" من اذهان المصريين للابد، ومر شريط الذكريات بهذا المكان أمام عيني، وتوقف الزمن ولم أشعر بالموجودين حولي، إلا ان خروج المصابين تسيل منهم الدماء، نتيجة الضرب الوحشي من قوات الامن جعلني اتوقف عن التفكير فى الماضي، وتمنيت من الله ان تكون هذه اللحظات بالفعل هي نهاية هذه الأسطورة، لتتسلم قوة من الجيش بعد ساعات من الحصار والغاز والموت المبني، ويتوقف صوت الرصاص.
2
مرت الأشهر والسنوات ولم يكن أكثر المتشائمين يتخيل أنه بعد 6 سنوات من ثورة يناير، تعود أسطورة أمن الدولة من جديد وان اختلف المسمي، فما كتبه الصديق محمود السقا، حول طريقة استجوابه فى احد مباني الجهاز، وطريقة التحقيق معه، ومدي الاستهانة بالمشاعر وارواح البشر، والتهديد بالقتل بل وأستخدام السلاح لأكثر من مرة، ثم قرار تحويل إنسان إلى مجرد رقم يضاف للمحبوسين الموجودين بالجهاز، والذين تحولوا إلى أرقام، نعم أرقام، فهذه طريقة تفكير من يحكمون هذا الوطن، تتحول أرواح ابناءه إلى مجرد أرقام لاقيمة لها.
3
ما حدث مع محمود السقا، لم يعد غريب على ما نسمعه ونقرأه كل يوم، من تصرفات الأجهزة الأمنية، لذلك لم يصدق أحد كل روايات الأجهزة الأمنية حول واقعة مقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني، وأخرها رواية التشكيل العصابي منتحل صفة ضباط الشرطة والمتخصص فى سرقة الأجانب، مع العلم ان التشكيل لم يسرق فقط هذه المرة، ولكنه قرر الخطف والتعذيب، وفى نفس الوقت الحفاظ على ممتلكات الضحية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ليصبح الإيطاليين والمصريين مطالبين بتصديق الرواية، وإلا يصبح المصريين خونة والايطاليين متاّمرين على أمن واستقرار مصر.
4
الحقيقة ان من يتأمر على أمن واستقرار مصر، هم من يرون شعبها مجرد رقم، لا قيمة له يمكن بسهولة إضافته لقوائم المحبوسين، او حتي لقوائم الموتي، ويعلم أن لن يحاسبه أحد، الحقيقة ان من يدافع عن تلك الممارسات ويعتبر من يتحدث عنها خائن، لا يعلم قيمة النفس البشرية التى حرم الله قتلها، فما بالك بتعذيبها، قبل قتلها، وليست المشكلة فيمن يتحدث عن تلك الممارسات ويطالب بوقفها ومحاسبة المسئولين عنها، ولكن المشكلة فيمن يبرر تلك الممارسات، بحجة استقرار البلاد، بل ويهاجم دولة تري ان لمواطنيها قيمة تستحق ان تبحث عنها، وتطالب بمحاكمة قاتل ضحية كل جريمته وذنبه ان تواجد في بلد لم يعد يعرف معني العدل.
5
ما يحدث لا يستحق السخرية من تصرفات الاجهزة، ولا حتي مهاجمة من يبرر تلك الافعال، ولكن يستحق الخوف والرعب علي مصير هذا الوطن، ولتبرير واقعة قتل شخص، قتل 5 اشخاص، فى سيناريو الله وحده يعلم كيف تم، والله وحده يعلم جريمة وذنب هؤلاء، ويعيد للاذهان ما حدث فى قضية الطالب إسلام صلاح الدين عطيتو طالب هندسة عين شمس، الذى قتل بعد اقتياده من الكلية، ليقال بعد ذلك انه قتل فى اثناء عملية اشتباكات بين قوات الامن وارهابيين، وهو سيناريو استخدم ماقبل 25 يناير، وتحدثت عنه جريدة الشروق فى ما بعد الثورة، بالعمليات الوهمية التي كانت تحدث لاخفاء حقيقة قتل متهمين من التعذيب بالسجون بعمليات اقتحام ومداهمات وهمية، تنتهي بالاعلان عن اسماء هي بالاصل كانت محتجزة لدي الاجهزة الامنية منذ شهور.
هذا ما خطَّ مساء اليوم الرابع
لا...لا...لا أملك إلا أن أتكلم
يا أهلَ مدينتنا
يا أهل مدينتنا
هذا قولي
انفجروا أو موتوا
رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجيء
لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالي جبل الصمت...أو ببطون الغابات
لن ينجيَكم أن تختبئوا في حجراتكمو
أو تحت وسائدِكم...أو في بالوعات الحمَّامات
لن ينجيَكم أن تلتصقوا بالجدران
إلى أن يصبح كل منكم ظلا مشبوحا عانقَ ظلا
لن ينجيَكم أن ترتدُّوا أطفالا
لن ينجيَكم أن تقصر هاماتكمو حتى تلتصقوا بالأرض
أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمو في سَمِّ الإبرة
لن ينجيَكم أن تضعوا أقتعة القِرَدة
لن ينجيَكم أن تندمجوا أو تندغموا
حتى تتكون من أجسادكمُ المرتعدة
كومةُ قاذورات
فانفجروا أو موتوا
انفجروا أو موتوا
صلاح عبد الصبور .. يوميات نبي مهزوم يحمل قلماً