أؤكد أن المؤسسات الدينية فى مصر مطالبة بعدم تكرار أخطاء الماضى، مثلما فعلت مع أصحاب الفكر التكفيرى فى أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات والدخول فى حوار مفتوح وشامل وغير مشروط، مع الشباب المغيب الذى تبنى أفكار (الإلحاد) بعد ثورة 25 يناير، وانتشر بشكل بشع بين كثير من الشباب، تحت مسمى(الحرية) خاصة أن ما يطرحونه من أفكار مغلوطة وتطاولهم على الأديان، سواء فى تجمعاتهم أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، يثير كثيرا من المخاوف من تنامى مثل هذه الأفكار، وما قد تتبعه من دخول أطراف خارجية لتمويلهم، أو حمايتهم تحت مسمى حقوق الإنسان، وحق الاعتقاد.
ففى الوقت الذى يواجه فيه الملحد الروسى "فيكتور كراسنوف" تهديدا محتملا بالسجن، بعد نشره على شبكات التواصل الاجتماعى عبارة قال فيها إنه (لا يوجد إله) مما دعا السلطات إلى وضعه فى جناح للطب النفسى لمدة شهر، للتأكد من صحة قواه العقلية.. ظهر وللأسف على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) العديد من الصفحات التى (تدعو إلى الإلحاد) أنشأها العشرات من الشباب المصرى بأسماء مستعارة، خوفا من البطش بهم ، يجاهرون فيها أنهم (ملحدون ولا يؤمنون بإله) ويفاخرون أنهم يؤمنون فقط بـ (العلم وقدرات الإنسان والأخلاق) ويطالبون بحريتهم للإعلان عن أنفسهم وأفكارهم وثقافتهم، دون خوف من بطش أو اضطهاد أو سجن.
وللأسف فإن هؤلاء الشباب المغيبون ينتشرون بشكل كبير على مقاهى وسط القاهرة، ويعبرون عن أفكارهم فقط لبعضهم البعض، أو عبر صفحات عبر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى ـ غالبا ما تظهر لأيام ثم تختفى ـ مثل (ملحدين مصريين) التى تضمنت العديد من الكتابات عن الإلحاد ونقد للأديان، والحديث عن أوضاع وحقوق الملحدين فى مصر، و(ملحدون ضد الأديان) التى رفعت شعار (لا إله إلا العقل، ولا رسول إلا الإنسانية، وليس لنا رب، لكن لدينا ضمير وأخلاق وعقل).
وصفحات (جماعة الإخوان الملحدون، وشبكة الملحدون المصريون، وملحدون بلا حدود) ومجموعة (اللادينيين) التى تهدف لشرح الإلحاد وتدعو له، وترفع شعار (أنت ملحد أذن أنت وحيد فأنضم إلينا) و(يا ملاحدة العالم اتحدوا)التى تؤكد (أن الدين طعن للإنسانية) إلى جانب جروبات مفتوحة للإعلان عن الإلحاد، وتشجيع الملحدين على الإعلان عن شخصياتهم الحقيقية دون خوف، مثل (أنا ملحد، وتخاريف الشيوخ، والأمة التى ضحكت من جهلها الأمم، والأديان من صنع الإنسان، وأبشع جرائم الأديان) إلى جانب عدد من المواقع الإلكترونية التى يقبلون عليها مثل (الحوار المتمدن، ومدونة علياء المهدى، ومدونة كريم عامر، ومدونة أنا إنسان، وأنا أفكر، وأنا ملحد فخور) التى يعبر من خلالها الملحدين عن مطالبهم من منطلق إنهم أصحاب حقوق.
الغريب أن هؤلاء الشباب يطالبون الدولة بالاعتراف بهم، حتى يتمكنوا من نقل الإلحاد من الإنترنت والمقاهى إلى مؤسسات الدولة، وممارسة حياتهم بشكل طبيعى وظاهر، بدلا من الخوف من مضايقات المجتمع، والتهديد الدائم بالسجن واتهامهم بازدراء الأديان، والتخفى وراء أسماء مستعارة على صفحات ومجموعات مغلقة وسرية إلى جانب، إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، والاعتراف بالزواج المدنى، والسماح بالحق في نقد الأديان، والدعوة للإلحاد، وإلغاء المادة الثانية من الدستور المصرى، من منطلق شائبة تضر بهوية الدولة المصرية.
لقد وصل الحال بهؤلاء الشباب إلى حد الإعلان عن إصدار أول مجلة شهرية تعبر عن الملحدين، تحت اسم (أنا أفكر) يرأس تحريرها شخص يدعى (أيمن جوجل) أكد على صفحته الخاصة، أنه يهدف إلى حياة سعيدة للملحدين، أنه يفكر فى إصدار أعداد مطبوعة لنشر الفكر الإلحادى، كخطوة للتخلص من الخوف المجتمعى، وأطلق مع زملائه العديد من الفيديوهات على موقع اليوتيوب يشرحون فيها لماذا ألحد؟
الغريب أنه على الرغم من وجود هذا الفكر ـ حتى وإن كان بشكل محدود ـ إلا أنه لم يفكر أحد فى فتح حوار معهم، على الرغم من أن وجودهم وسط المجتمع يعتبر بالفعل (كارثة) وأنه فى ظل الصمت على معتقداتهم من الممكن أن تنمو وتنتشر فى غيبه من المؤسسات الدينية، التى لزاما عليها أن تفتح حوار معهم لتعريفهم بالدين الصحيح.
الأمر جد خطير، والملحدون يعيشون بيننا، وأصبحوا حقيقة، والأمر يستدعى ضرورة الاستفادة من أخطاء الماضى، حينما تركت المؤسسات الدينية أصحاب الفكر التكفيرى والمتشددين يلعبون فى عقول الشباب، تحت زعم أنهم (شوية عيال) وفجأة استيقظ الجميع على القاعدة وداعش وجبهة النصره وغيرها من الميليشيات.