فكرت أن يكون عنوان المقال بسؤال، لكنى فى الحقيقة تحيرت كثيرًا؛ هل يكون السؤال: هل سيودع العالم الاستثمار التقليدى فى الميديا؟ أم: متى سيودع العالم الاستثمار التقليدى فى الميديا؟ واخترت الصيغة الثانية «متى» فعلى ما يبدو فإن الإجابة على السؤال بـ«هل» تكون تكون محسومة بـ«نعم»، ويبقى لنا التساؤل عن الوقت، وأخشى أيضًا أن الإجابة ستكون بأحد خيارين هما فى القريب أو فى القريب العاجل.
إجابتى الشخصية هى «القريب العاجل» والعاجل هذا أتوقع أن يكون فى حدود الخمس سنوات فحسب، وهى فى اعتقادى مدة غير كافية إذا ما حول المستثمرون توجاهتهم إلى الميديا «الذكية»، وشرعوا الآن فى الإنفاق بسخاء على المستقبل، فمن يتابع خطوات شبكة مثل «نت فيلكس» سيدرك بالتأكيد أن فكرة التحول إلى هذه النوعية من التليفزيونات أصبحت وشيكة، فهذه الشبكة مثلًا تتيح لك فرصة الاختيار، لا تفرض عليك برنامجًا بعينه أو فيلمًا فى توقيت محدد، تنتج الفيلم أو تحصل على تصريح بإذاعته وتتيحه للجمهور فحسب، ولم يخيب الجمهور ظن هذا التوجه فشاهد أكثر من 50 مليون شخص فيلم «بيرد بوكس» بطولة النجمة ساندرا بولوك، ثم تحول هذا الفيلم إلى موجة كاسحة حيث حاول البعض تقليد أبطال الفيلم الذين كانوا يمشون فى الشوارع وهم يغطون أعينهم لتفادى الإصابة بمرض أو لعنة تدخل إلى الإنسان عن طريق البصر.
من يتابع أيضًا الخط البيانى لنمو هذه الشركة يدرك أننا نشهد تحولًا كبيرًا فى سوق التليفزيونات أشبه بالتحول فى سوق الصحافة من الورقى إلى الإلكترونى، فخلال الربع الثالث من عام 2018، ارتفعت إيرادات الشركة بنحو 34 % وشهدت زيادة 7 ملايين مشترك خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من ذات العام مقابل 5.3 مليون مشترك خلال نفس الفترة فى العام الماضى، كما ارتفع صافى الأرباح إلى 403 ملايين دولار مقابل 130 مليون دولار وبلغت إيرادات الشركة 4 مليارات دولار خلال الربع الثالث، مقارنة بـ2.99 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2017.
يحدث هذا الآن، ونحن فى مصر بعيدين كل البعد عنه، يحدث هذا فى سوق الميديا فى العالم، ومازلنا فى عزلة تامة عنه، أخشى أن نجد أنفسنا فى القريب العاجل خارج معادلة الإعلام برمتها، وندرك بعد فوات الأوان أننا صرنا بلا صوت أو شكل أو دراما أو ثقافة.