منذ سنوات وأنا فى الغالب لا أتابع القنوات المصرية على إطلاقها، لا أنشغل بمن جاء ومن ذهب، بمن يقدم البرنامج الفلانى أو بمن يشاهد المسلسل الفلانى، أعتبر نفسى حالة خاصة، ولا أقيس أحدا علىَّ، أتفهم تماما تأثير بعض البرامج على الناس، وأحاول أن أتابع ما يثار من قضايا عن طريق اليوتيوب الذى يعرض حلقات البرامج بعد إذاعتها على الهواء، وشيئا فشيئا صرت أتكاسل حتى عن هذه المتابعة لعلمى أن ما يثار الآن سيموت غدا، فلماذا أنشغل الآن بشىء ميت فى حين أنى أشغل نفسى بما بمتع أخرى لا تموت، ولماذا أسمع هذه أو هذا فى حين أننى أستمتع أكثر وأنا أسمع لابنى «ورد» أو أسمع لـ«لأم كلثوم» أو أشاهد فيلما حقيقيا «أجنبيا بالضرورة»، ولماذا أنشغل بمشاهدة هذه المذيعة فى حين أنه من الممكن بل والأهم أن أشاهد أختى التى لم أرها منذ فترة؟
هذا أنا وهذه قناعاتى التى لا ألزم بها أحدا، وفى الحقيقة فقد كنت معدا تماما للإعجاب بشبكة نت فليكس، برغم ما أعانيه معها، لكنى فى الوقت ذاته أسعد كثيرا بما أشاهده يوميا من مسلسلات وأفلام ووثائقيات، وكما قلت أمس فإن التحول إلى مثل هذه الشبكات وهجرة التليفزيونات سيأتى فى القريب العاجل، إذ لا يتطلب الأمر أكثر من تليفزيون ذكى وشبكة إنترنت، وهو أمر أراه ليس ببعيد عن الكثيرين فى مصر، وحتى إن كان بعيدا الآن فسينتشر فى السنوات المقبلة بسرعة كبيرة تماما كما انتشر المحمول.
فى القريب العاجل أظن أننا سنقيم حفلة لتوديع التليفزيونات التقليدية بمذيعيها وإعلاناتها وأفلامها ومسلسلاتها، وهو أمر أراه عظيما وخطيرا فى ذات الوقت، فإلى الآن نتعامل مع التليفزيون باعتباره النافذة الوحيدة لمخاطبة الناس، فكيف سنخاطب الناس بعد اندثاره أو حتى تراجعه؟ وكيف سنعلم أننا أوصلنا رسالتنا إلى الناس إن كان الناس لا يشاهدوننا؟ وكيف نضمن تربية وجدان «شعب» إذا كنا لا نعلم من أى مشرب يستقى هذا الشعب تعاليمه ومشاعره؟
التفكير التقليدى الآن أصبح خطرا على أمن الوطن، وعلينا أن نبحث جميعا عن آليات التواجد فى المستقبل قبل الفراق، فإن لم نبن جسرا الآن، الآن وليس غدا، فربما لن نتمكن فى القريب.