تسلمت مصر، أمس الأول، رئاسة الاتحاد الأفريقى، وبهذه المناسبة أعيد نشر مقال سابق، اعتبرت فى توصية منتدى الشباب العالمى الذى عقد فى شرم الشيخ، والخاصة باعتبار «أسوان» عاصمة لشباب أفريقيا، من أهم القرارات وأعمقها تأثيرًا، فرعاية شباب أفريقيا قد تكون من أهم ما يمكن أن تتبناه مصر فى هذه الفترة الحرجة من تاريخها، وفى الحقيقة فقد ذكرتنى هذه التوصية بمقترح تقدمت به للكاتب الصحفى حلمى النمنم، وقت أن كان وزيرًا للثقافة، وللأسف لم يتمكن من تنفيذه أو حتى مناقشته، وقد استلهمت فكرة هذا المقترح من خبر تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى 27 مارس 2016، على قرار منح ألف ضابط أفريقى منحة دراسية فى الكليات العسكرية المصرية وقتها. إن معنى أن تسهم مصر فى تدريب «الكتلة الخشنة» لأفريقيا هو أنها اختارت أن تستمر فى حماية أمن أفريقيا الاستراتيجى حتى فى أحرج فتراتها، فمسألة تدريب مصر لضباط أفريقيا ليس جديدًا على مصر، وإنما استمرار مصر فى هذا النهج فى هذا التوقيت الحرج يؤكد أن مصر لم تتنازل عن ثوابتها الاستراتيجية، ولعل هذا ما يستدعى بالضرورة أمرًا آخر فى اعتقادى أنه لا يقل أهمية عن رعاية الكتلة الخشنة لأفريقيا، ألا وهو «الكتلة الناعمة» أو «القوة الناعمة»، ولهذا أشير إلى أهمية أن تقوم مصر بواجبها «الأفريقى» فى رعاية الثقافة الأفريقية والفنون الأفريقية، وذلك لكى تمسك مصر العصا «من الطرفين»، فتضمن أن يكون لها امتداد راسخ فى عمق الوعى الأفريقى، ليس الآن فقط وإنما إلى الأبد.
إننى هنا أجدد الدعوة للرئيس عبدالفتاح السيسى، والسيدة الفاضلة إيناس عبدالدايم، لتقديم منحة فنية لشباب أفريقيا المبدع، وأعتقد أن هذا الأمر غاية فى الأهمية والخطورة، فرعاية العقول لا تقل أهمية عن رعاية الحدود، والعقل الذى أسهمت فى تكوينه ورعايته لا يقبل أبدًا بأن يفكر تجاهك إلا فى الخير، ولا أرى مانعًا من أن توفر مصر منحًا فنية فى أكاديمية الفنون المصرية لأبناء الدول الأفريقية، بأن تستضيف فى كل عام 50 طالبًا فقط من أبناء القارة السمراء من المبدعين، ليتعلموا فى أكاديمية الفنون، ومن يتفوق منهم يحصل على منحة فى الأكاديمية المصرية بروما، وبذلك تضمن مصر أن تنتشر الثقافة فى كل ربوع أفريقيا، برعاية ومحبة مصرية خالصة، وتخيل معى لو شرعت مصر فى تنفيذ هذه الفكرة الآن وبالفعل استضافت 50 طالبًا كل عام لمدة 10 سنوات، فمعنى هذا أن هناك 500 مبدع أفريقى ما بين مخرج وممثل ومطرب ومؤلف وفنان سيتشبعون بالفنون المصرية، ويتشربون الهوية المصرية، فيتحولون إلى جنود لمصر فى أية معركة تخوضها مصر، وتصبح لمصر اليد العليا فى الفن والعلم والثقافة فى أفريقيا كلها.