طلاب أزهريون قليلو الاحترام والعلم والأخلاق أرادوا أن يستخفوا دمهم فلم يجد أفضل من السخرية من صلاة إخواننا الأقباط.
لم يتذكر هؤلاء الطلاب أن الدين الذى يتعلمونه ينهى عن ذلك، بل يعاقب من يرتكبه، وأن الأزهر الذى ينتمون إليه يرفض هذا التصرف، والأغرب أن البعض يتعاملون معهم بمنطق سامحوهم لأنهم كانوا «بيهزروا»، وكأن الهزار مسموح فى الأديان والسخرية مقبولة فى هذه الأمور.
عندما ظهرت الفنانة الكبيرة شهيرة دون غطاء رأس سن لها البعض سكاكين الانتقام والسخرية وهاجموها دون رحمة ودون حتى إن يكلف أحد نفسه مجرد سؤال عن حقيقة الأمر، ودون أن يتذكر أحد من هؤلاء أن لكل إنسان الحرية فى أن يفعل ما يشاء طالما أنه لا يضر بالآخرين، وأنه ليس من حق أحد أن ينصب نفسه كسلطة تأديب وتهذيب وعقاب للآخرين، وأن ديننا ولا قيمنا لا يبيحون هذا الأمر على الإطلاق، ورغم ذلك نجد من يقبل هذا التصرف الذى يمارسه البعض بكل بلطجة اجتماعية ودينية.
ماذا حدث لنا.. هل افتقدنا الذوق والأخلاق والجدعنة المصرية وابتعدنا عن قيمنا؟.. هل أصبحنا بلا عقل، لماذا نزايد على بعضنا ونتربص بأنفسنا ونتنمر على بعض؟.. لماذا أصبحنا نستسهل التجاوز دون أى حدود؟.. لماذا نبحث لبعضنا عن نقاط الضعف ونتصيد الأخطاء ونستغل السقطات ولو كانت تافهة لنضخمها ونحولها إلى فضائح؟.. لماذا وصلت البجاحة ببعضنا إلى حد التحدى لكل القيم والأخلاق؟.
على الجانب الآخر وبنفس منطق الاستخفاف بالقيم والأخلاق المصرية نجد مخرجا معروفا يتم تداول فيديوهاته الفاضحة التى صورها لنفسه ولا يخجل ولا حتى يعتذر عن هذه الفضيحة التى تمس أصل القيم التى تربينا عليها، من حقه أن يفعل ما يشاء، لكن أن تصل به البجاحة إلى تصوير الأمر وكأنه مستهدف سياسيا، وأن هناك من يسعى للانتقام منه بسبب مواقف وطنية فهذا ما ليس من حقه.
إلى هذا الحد وصل الاستخفاف بعقلية المصريين لدرجة أن من يمارس الرزيلة صوتا وصورة يدعى النضال والوطنية ومطلوب أن نصدقه وندافع عنه، بل ونحتفل ببراعته الجنسية وقدراته السياسية ومواقفه الوطنية العارية، وللأسف نجد من يسيرون فى هذا الاتجاه ويصورون الأمر على أنه انتقام سياسى، على ماذا؟.. لا أعرف.
قبل ذلك مجموعة من نجوم الكرة يتحدثون بلغة ساقطة وعندما يلوم عليهم البعض يخرج أحدهم بكل بجاحة ليتساءل.. «حد قالكم إننا بنبيع سبح»؟
وكأن الأدب واحترام الأخلاق وقيم المجتمع ليست مطلوبة إلا من بياعين السبح والمصلين، أما أمثال هذا اللاعب فدورهم فى المجتمع أن يمارسوا ما يحلو لهم دون أى التزام أو احترام.
فى الشارع تجد من يسب الدين بلا إحساس بالعيب.. ومن يشتم بأقذر الألفاظ، ويتفوه بأفظع الأوصاف دون أدنى إحساس بالأدب.
فى الأعمال الدرامية تحول طول اللسان إلى شطارة ونموذج للبطل الخارق، وإدمان المخدرات قوة، والبلطجة سيطرة، والخيانة إبداع، والإباحية استايل عصرى.
التبرير السهل الذى نقدمه لكل هذه المصائب هو أننا فى زمن السوشيال ميديا التى لا قيم لها ولا أخلاق ولا مبادئ.. بالطبع لا خلاف على هذه الكارثة.. لكن المؤكد أنها ليست وحدها التى صنعت فينا كل ذلك.. نحن الذين فعلنا فى أنفسنا هذه الجرائم وخلقنا بيننا الوحش الذى يدمرنا يوما بعد الآخر.
وحش اسمه «اللاعيب».. أو «اللا خجل».. وحش يأكل كل قيمة جميلة كانت فينا، ويدهس كل خلق قويم كنا نتحلى به، ويدمر كل مبدأ اخلاقى تربينا عليه.
نحن من سمحنا لهذا الوحش أن يسكن أنفسنا ويحتل بيوتنا ويتحكم فى تصرفاتنا.. ثم الآن نكمل الجريمة بأن نبحث لخيبتنا عن مبرر ونلصقها بالسوشيال ميديا.
السؤال.. متى نفيق من غفلتنا.. متى نستشعر الخطر الذى يحاصرنا.. متى نستعيد أخلاقنا التى هجرناها.. ونرجع إلى قيمنا التى فقدناها.
تحدث الرئيس السيسى منذ عامين على قضية القيم والأخلاقيات المصرية، ولفت إلى احتياجنا إلى مشروع قومى للأخلاق وتفعيل ما يمكن وصفه بميثاق الأخلاق، وطالب بإدراج الأخلاق والمبادئ والمثل العليا ضمن معايير تقييم الطلاب، ولا أجد وسيلة للخروج من هذه الأزمة المجتمعية التى نعيشها إلا بتفعيل هذا المشروع الرئاسى، وهو مشروع لا يحتاج لمليارات، وإنما يحتاج لأسر تستشعر الخطر، ومؤسسات تربوية تمارس دورها بجدية، وإعلام يصحح أخطائه ليقوم بمهمته الحقيقية، وإلا سندفع كلنا الثمن.