كتبت منذ سنوات مقالا حذرت فيه من مخاطر الشقق المفروشة فى مصر، وأيضا من الطلبة القادمين من الدول التى شهدت ما يطلق عليه، كذبا وبهتانا، ثورات الربيع العربى، للالتحاق بالجامعات المصرية، وطالبت رجال الأمن، حينها، ضرورة فتح هذا الملف، والتعامل معه باهتمام بالغ، وأن يكون لدى الجهات الأمنية المعنية إحصائيات رسمية ودقيقة بعدد الشقق المفروشة، وسن التشريعات والقوانين، التى تجبر كل صاحب عقار، إخطار هذه الجهات بالمستأجر الجديد..!!
ومع مرور الوقت، وتحديدًا منذ ثورة 30 يونيو 2013، وفض معسكرى رابعة الإرهابى والمسلح، تأكد بما لم يدع مجالا لأى شك، أن الشقق المفروشة أصبحت مخازن للسلاح والقنابل، وغرف عمليات خطيرة تدار بداخلها خطط تنفيذ العمليات الإرهابية، واغتيال الأبرياء، وتهديد سكان العقارات بالخطر..!!
ولم يقتصر مخاطر الشقق المفروشة عند هذا الحد، ولكن تحولت أيضًا إلى بؤر ترتكب فيها معظم الجرائم الجنائية الخطيرة، بدءًا من تحويلها إلى عيادات طبية مخالفة، ومرورًا بتصنيع أدوية مغشوشة، وممارسة الدعارة، وغيرها من الجرائم التى تؤثر على أمن واستقرار المجتمع..!!
لذلك فإن الشقق المفروشة أصبحت أوراما سرطانية خطيرة، يجب التعامل معها بمشرط جراح ماهر، ولا يمكن أن نلقى كل جهود المتابعة الدقيقة لهذه الشقق على كاهل رجال الأمن بشكل عام، والشرطة بشكل خاص، ولكن لابد من خطة تعبوية يشارك فيها بشكل أساسى وفاعل المواطن أولًا وثانيًا وعاشرًا، عندما تهدد حياته وحياة أسرته للخطر، إذا كان يقطن فى عقار يضم شققا مفروشة مؤجرة لإرهابيين، ومجرمين، وعليه أن يخطر قسم الشرطة التابع له، عن أى مستأجر جديد لشقة مفروشة، فى حالة تقاعس صاحب العقار، عن إخطار الشرطة بالمستأجر الجديد..!!
وبعيدا عن المزايدة والمزايدين، الذين يخرجون علينا دائما، مرددين شعارات، كيف نخطر الشرطة بأسماء مستأجرى الشقق المفروشة.. وهل نحن مخبرين..؟! ونقول لمن يردد هذا الشعار أو التبرير الوقح، أن الشرفاء والمحترمين لا يمكن كائن إن كان يستطيع الاقتراب منهم، ولكن الإرهابيين والمجرمين، لا يمكن التستر عليهم، ونمنحهم الغطاء الشرعى لتنفيذ جرائمهم ومخططاتهم..!!
والحقيقة أن وزارة الداخلية بدأت فى دراسة إجراءات تقنين وجوب إخطار الأجهزة الأمنية بعمليات تأجير وبيع الشقق السكنية « المفروشة وإيجار جديد» وأيضا الوحدات التى تحت الإنشاء وغيرها من الأماكن التى قد تتخذها العناصر الخارجة عن القانون لتجنب الرصد الأمنى واستخدامها فى التخفى وكمأوى لهم، وأيضا تحويلها مخازن لإخفاء أدوات جرائمهم، مع مناقشة إجراءات التعديل التشريعى المقترح بتغليظ العقوبات عن عدم الإبلاغ ببيانات المستأجرين للعقارات والشقق المفروشة.
الحقيقة أن رجال الشرطة استطاعوا فحص 310آلاف شقة مفروشة خلال العام الماضى 2018 وهو جهد كبير ومهم، لكن هذا الجهد لابد أن يشارك فيه كل صاحب شقة مفروشة، فى إخطار الشرطة عن أى مستأجر جديد، بمجرد كتابة العقد، مع الحصول على الضمانات اللازمة من مستندات، وفى القلب منها صور البطاقة، إذا كان مصريا، وجواز السفر إذا كان المستأجر أجنبيا..!!
خاصة أن المادة 41 من القانون 49 لسنة 1977 تنظم طريقة التعامل مع الشقق المفروشة ونصها: «إلزام كل من أجر مكانا مفروشا أو خال سواء كان أجنبى أو مصرى، يجب إخطار قسم الشرطة التابعة له لمتابعة تلك الكيانات الإرهابية، ويجب إرسال بيانات المستأجر وجنسيته ورقم جواز سفره إن كان أجنبيا ورقم ومكان إصدار بطاقته إن كان مصريا ومدة الإيجار وبدايتها ونهايتها خلال 3 أيام من إصدار عقد الإيجار»..!!
جهود رجال الأمن فى فتح ملف الشقق المفروشة واكب أيضا ما انتهت إليه الندوة التى نظمتها وزارة الداخلية، بعنوان «الشعب والشرطة فى صناعة الأمن» نحو مجتمع لا يأوى الإرهاب والجريمة» والتى عقدت بأكاديمية الشرطة، مؤخرا، وأبرز فيها خبراء الأمن خطورة هذه الشقق على أمن البلاد.
كما واكب أيضا، السياسة الأمنية المعاصرة التى تنتهجها وزارة الداخلية، وجوهرها، إبراز أهمية تواصل جمهور المواطنين مع الأجهزة الأمنية للمساهمة فى ضبط الجناة والإرهابيين، وإجهاض مخططاتهم التى تهدد أمن واستقرار وسلامة المجتمع، وذلك من خلال اتباع الأسلوب العلمى وتعميق مفهوم الشراكة المجتمعية للارتقاء بمعدلات أداء الرسالة الأمنية وتحقيق أهدافها، وإدراكا لأهمية التخطيط الأمنى فى استكمال المقومات والمعلومات اللازمة لتوجيه ضربات استباقية تعمل على تقويض المخططات الإجرامية والإرهابية وتحصين المجتمع من شرورها..!!
وهنا لنا ملاحظتان مهمتان، الأولى: نثمن ونقدر جهود رحال الأمن بشكل عام، والشرطة بشكل خاص على فتح ملفات مهمة، والتعامل الأمنى العصرى فى مكافحة وإحباط الجريمة قبل وقوعها، وحققت نجاحات كبيرة.
الملاحظة الثانية: ضرورة المشاركة المجتمعية وشعور المواطن بأهمية المشاركة فى حفظ الأمن والأمان، كون أن انتشار الأمن والسلامة، يعود عليه هو فى المقام الأول، ومن ثم التعاون ومساعدة الأجهزة الأمنية فرض عين، وضرورة أن نزيل ورم السلبية ونقضى على مصطلحات «مليش دعوة وأنا مالى» لأننا جميعا فى مركب واحدة، شعب وأمن وسلطة..!!