ممثلو 63 دولة اجتمعوا فى العاصمة البولندية «وارسو» لبحث التحديات الأمنية والسياسية التى تواجه منطقة الشرق الأوسط، وفى مقدمتها الخطر الإيرانى والأوضاع فى سوريا واليمن واستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لماذا وارسو لبحث هذه القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، وفى مقدمتها مواجهة الخطر الإيرانى؟ هذا سؤال أول، ولماذا لا يواجه المجتمعون فى وارسو خطر الإرهاب والدول الراعية له وتوظيفه سياسيًا؟ هذا سؤال ثان، وأين موضع الدول العربية الرئيسية فى مناقشة هذه القضايا التى تهم المنطقة وفى صدارتها المفاوضات المحتملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هذا سؤال ثالث، وهل الهدف من هذا المؤتمر حل قضايا الشرق الأوسط الجوهرية فعلًا مثل الحفاظ على استقرار الدول ومواجهة التنظيمات المتطرفة ووقف الحروب الأهلية وإعادة الإعمار، أم أن الهدف هو بناء تحالف دولى موسع لتغيير النظام الإيرانى؟ وهذا سؤال رابع، وربما لو ظللنا نطرح الأسئلة حتى نفهم توجهات مؤتمر وارسو، لن نتوقف، خاصة مع استبعاد روسيا والصين ومع غياب ممثلة الاتحاد الأوروبى فيدريكا موجرينى ومع الاختلاف الجذرى بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن التعاطى مع الأزمة الإيرانية والاتفاق النووى.
فى كلمته بالمؤتمر، دعا وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى عهد جديد من التعاون فى الشرق الأوسط، قائلًا«إنه لا يمكن لأى دولة أن تظل بمعزل عن التصدى للتحديات الإقليمية مثل إيران وسوريا واليمن والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإن الولايات المتحدة تسعى لعهد جديد من التعاون بين البلدان المشاركة بالمؤتمر لبحث مواجهة هذه القضايا، لأن التحديات التى تشهدها المنطقة لن تحل نفسها بنفسها، وعلينا أن نعمل معًا من أجل الأمن وما من سبيل لأى دولة لأن تبقى بمعزل».
والمتحدثة باسم الخارجية البولندية إيفا سوفارا، قالت إن 63 دولة حضرت إلى مؤتمر وارسو، وإن مهمة بلادها تتمثل فى تسهيل الحوار ودعم النقاشات التى تساهم فى صنع السلام والأمن فى الشرق الأوسط، كما أن بلادها تتخذ موقفًا واضحًا إزاء ضرورة مواجهة التهديدات فى الشرق الأوسط ومن بينها السلوك الإيرانى، لكنها عادت لتؤكد التزام بلادها برؤية الاتحاد الأوروبى بشأن الاتفاق النووى مع إيران.
نحن متفقون على أهمية مواجهة الخطر الإيرانى وسعى ملالى طهران للتوسع وبسط النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط على حساب أمن واستقرار الدول العربية، ورأينا ما يحدث ويحدث فى العراق وسوريا واليمن ولبنان من تقويض الدولة ورهنها بمشيئة آيات الله فى طهران، لكن الخطر الإيرانى ليس الخطر الوحيد الذى يهدد المنطقة، بل يسبقه خطر الإرهاب ومشروع الفوضى الخلاقة الذى دشنته الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون لتقويض المنطقة وإعادة تخطيطها مجددًا، وهناك خطر الدول الراعية للإرهاب والممولة له والتى توفر الملاذات الآمنة لفصائله وعصاباته للسيطرة على ثروات بلدان الشرق الأوسط، ورأينا كيف تسبغ واشنطن حمايتها على قطر وتركيا رغم ارتكابها جرائم ضد شعوب المنطقة ودولها ورغم رعايتهما المعلنة للفصائل الإرهابية.
ونحن متفقون بالطبع على ضرورة وجود آلية للأمن والسلم فى منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه الآلية مرتبطة عضويًا بالحل العادل للقضية الفلسطينية وعودة الفلسطينيين لأراضيهم لإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أراضى الرابع من يونيو 1967، ووفق القرارات الأممية ذات الصلة، فهل يمكن الاعتماد على الإدارة الأمريكية الحالية وعلى زخم تجمع 63 دولة مجتمعين فى وارسو البولندية لتفعيل هذا الحل العادل للقضية الفلسطينية أم أننا سنشهد أجندات مرتبكة وخططًا بهلوانية لإيجاد حل تجارى للقضية الفلسطينية يحول كل الثوابت إلى معاملات مالية وأرصدة بالدولار فى البنوك الأمريكية؟
نحتاج أن نفهم ماذا يحدث فى وارسو، وأولويات الأجندة المطروحة فى المؤتمر ومكان الثوابت العربية فى هذه الأجندة، قبل أن ننساق وراء ما يروج فى وسائل الإعلام الأمريكية من طروحات براقة لا يمكن تنفيذها على الأرض.