على الرغم من أنها تبدو أسئلة بسيطة، لكنها تلخص الكثير من التفاصيل والتشابكات والتقاطعات التى خيمت على السياسة والصراع فى الشرق الأوسط.. وسوف تظل تنظيمات مثل داعش وإخوته فى سوريا والعراق أحد أهم ألغاز السياسة خلال العقود الأخيرة. طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى أسئلة أمام مؤتمر ميونيخ للأمن عن مَن يمول الإرهاب والتنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح ويدعم نقلهم إلى مناطق التمركز. من يجمع المقاتلين من كل دول العالم ليدفع بهم إلى سوريا والعراق وليبيا؟ قد يكون من الصعب على بعض المشاركين فى المؤتمر أن يجيبوا على هذه الأسئلة، وإن كانت الأسئلة تحمل إشارات إلى أطراف متعددة ساهمت بالتمويل والدعم فى قيام وتوسع داعش وتنظيمات الإرهاب متعددة الأغراض والتى تمثل فى وجهها الظاهر نموذجا لما يسمى «الإرهاب المعولم».
هناك بالفعل أطراف ودول وأجهزة شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر، فى إقامة تنظيم داعش، أحد أكثر تنظيمات الإرهاب دموية فضلا عن كونه مؤشرا على التحولات الإقليمية خلال السنوات الأخيرة.
داعش تشكل حول نواة من تنظيم القاعدة فى أعقاب غزو العراق عام 2003، وأن هذا تم بمعرفة من القوات الأمريكية، حيث حصل الزرقاوى على مجال للتحرك قبل أن يتم تصفيته ليظهر تنظيم داعش من خلال تجميع لفلول من الجيش العراقى مع القاعدة. تساءل الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الجلسة الرئيسية بمؤتمر ميونيخ للأمن عن من يقوم بدعم وتمويل ونقل المقاتلين الأجانب، وذلك ردًا على سؤال رئيس مؤتمر ميونيخ فولفجانج إيشنجر.
مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية، يشارك فيه نحو 35 من رؤساء الدول والحكومات و50 من وزراء الخارجية و30 من وزراء الدفاع و600 من الخبراء العسكريين والأمنيين والدبلوماسيين، وبالطبع فإن الرئيس كان يتحدث عن أمر يعرفه عدد كبير من هؤلاء المشاركين، ويشير إلى دول وأطراف تورطت مباشرة فى دعم الإرهاب.
كان تنظيم داعش وإخوته مثل النصرة وفتح الإسلام وغيرها مجرد أدوات لتنفيذ خطط وتوجيهات، خاصة أن داعش كان من التنظيمات التى نشأت من مقاتلين تم جمعهم من كل دول العالم، وتجنيد شباب صغير السن ليس فقط من تونس وليبيا والجزائر ومصر واليمن والسعودية والكويت والعراق، ومن كل دول أوروبا، وحسب تقرير مركز «مجموعة صوفان» الاستشارى للشؤون الأمنية الذى صدر فى أكتوبر 2017، فإنّ عددهم أكثر من 40 ألف أجنبى من 110 دول.
وفى عام 2014، اجتاح داعش العراق من سوريا، واستولى على مساحات واسعة من الأراضى، بما فى ذلك الموصل، ثانى أكبر مدينة فى العراق، وفى ذروة سيطرة داعش، حصل على نحو 50 مليون دولار شهريا، ونهب 500 مليون دولار أخرى من المصارف فى المناطق التى سيطر عليها. وباع من خلال تركيا وبمعرفة أردوغان البترول المنهوب من سوريا والعراق، كما حصل على آلاف السيارات الدفع الرباعى ماركة تويوتا الشهيرة، والتى رصدت فواتير شرائها عن طريق دول إقليمية، وكانت تركيا ممرا لدخول وخروج الإرهابيين إلى سوريا، بل إن بعضهم كان يتلقى العلاج فى مستشفيات تركية، وقد نشرت روسيا تقارير مصورة تؤكد ضلوع تركيا فى دعم داعش والتعاون مع التنظيم، وكانت هذه الأوراق ضمن خطط تركيا فى كشف الدور التركى فى أعقاب الصدام بعد دخول تركيا بثقلها فى سوريا وكشف تفاصيل العلاقات المعقدة.
كما كانت إشارات الرئيس واضحة إلى عملية نقل الإرهابيين من سوريا والعراق إلى ليبيا، وعدد الإرهابيين الأجانب المضبوطين والمقتولين ضمن صفوف الإرهابيين فى ليبيا، ارتباطا بعمليات متعددة وتحركات معروفة. وبالعودة إلى أسئلة الرئيس أمام مؤتمر ميونيخ عن داعمى وممولى الإرهاب، فإنها ألقت حجرا ينتظر أن يحرك مياها فى بركة الإرهاب الممول إقليميا ودوليا.