تحرك الرئيس السيسى خلال مشاركته فى مؤتمر ميونخ للأمن على مسارين، سياسى واقتصادى، فقد طرح من خلال مشاركته فى الجلسات العامة للمؤتمر رؤية مصر لسبل التوصل إلى حلول سياسية لمختلف الأزمات التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وأهمها الحفاظ على كيان الدولة الوطنية، وترسيخ تماسك مؤسساتها، وقواتها الوطنية النظامية واحترام سيادة الدول على أراضيها وسلامتها الإقليمية، وجهود مصر فى إطار مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، كما طرح مفهوم مصر الشامل لمواجهة الإرهاب من خلال مواجهة الدول الراعية والممولة له والتى توظفه لخدمة سياساتها وكذا الدول التى توفر ملاذات آمنة للإرهابيين.
وعلى المسار الاقتصادى، كان مؤتمر ميونخ فرصة للقاء الرئيس عددا كبيرا من قادة الدول ورؤساء الحكومات ورؤساء كبرى الشركات الألمانية والأوروبية والآسيوية المشاركين فى المؤتمر، وكذا كبار رجال الاقتصاد ومسؤولى المؤسسات الاقتصادية الدولية، حيث انتهز الرئيس فرصة المؤتمر لعرض ما توصلت إليه مصر من إصلاحات فى جميع المجالات، وكذا إقامة بنية تحتية على أعلى مستوى ووضع ضمانات للمستثمرين من خلال قانون الاستثمار الجديد.
وفى كلا المسارين نجح السيسى فى تقديم صورة مختلفة لمصر، البلد الطموح المستقر الذى حقق نجاحا كبيرا فى مواجهة الإرهاب حتى انتصر عليه، وفى مواجهة برامج الفوضى الخلاقة ومحاولات تفتيت نسيج المجتمع بالفتن الطائفية ونشر الفكر المتطرف، وكذا فى مواجهة العشوائية والفقر والتخلف بالعمل على بناء مؤسسات دولة حديثة وعصرية تمكن جميع مواطنيها حتى يستفيدوا من نتائج الإصلاح والتنمية الشاملة.
وحتى ندرك أهمية اللقاءات التى عقدها الرئيس لجذب الاستثمارات المباشرة، يكفى إحصاء عدد الشركات والمسؤولين التى ضمها أحد الاجتماعات على هامش المؤتمر، فقد ضم الاجتماع كلا من بيتر ألتماير وزير الاقتصاد والطاقة الألمانى، وفولفجانج إيشنجر رئيس المؤتمر، ورئيس دويتشه بنك، والبنك التجارى الألمانى، ورؤساء شركات أليانز العالمية للتأمين، ومرسيدس، وبى إم دبليو، وفولكسفاجن، وإيرباص، وسيمنز، ومجموعة ساب، واتحاد الصناعات الألمانية، وعدد من الشركات العالمية الأخرى العاملة فى مجال تكنولوجيا الاتصالات والإلكترونيات، والإعلام، والخدمات المالية وإدارة الأصول، والصناديق الاستثمارية، وصناعة الدواء، والصناعات العسكرية، فضلاً عن ممثلين للمراكز البحثية والدراسات الاستراتيجية الدولية.
وخلال هذا اللقاء وغيره من اللقاءات مع رؤساء الشركات العالمية الكبرى المشاركين فى المؤتمر، حرص الرئيس على استعراض الفرص الاستثمارية الضخمة فى مصر وكيف أنها بوابة لسوق أضخم يشمل قارة أفريقيا كلها، كما استعرض الرئيس الإنجازات التى حققتها مصر منذ إطلاق برنامج طموح للإصلاح الاقتصادى، يستند إلى حزمة من التدابير المالية والنقدية لمعالجة الاختلالات الهيكلية وضبط الموازنة العامة وتوفير بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما انعكس فى مجمله بصورة إيجابية على المؤشرات الاقتصادية الكلية، وتحسن تصنيف مصر الائتمانى وفقا للمؤسسات الدولية المتخصصة.
كما أكد الرئيس السيسى على المزايا التى يتمتع بها الاقتصاد المصرى حاليا من حيث توفر البنية التحتية اللازمة والأيدى العاملة الماهرة منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى الحوافز المالية والضريبية غير المسبوقة التى يوفرها قانون الاستثمار الجديد وحجم السوق الكبير، والبنية التشريعية المناسبة، فضلاً عن قيام الدولة المصرية بتنفيذ سلسلة من المشروعات القومية الكبرى لتحفيز عجلة الاقتصاد ودفع معدلات النمو، وكذلك تطوير قدرات مصر على إنتاج وتوفير الطاقة وتنويع مصادرها، بما يمكنها من زيادة قدراتها الإنتاجية، ويؤهلها لتصبح مركزا إقليميا لتداول الطاقة ومصدرا مستقرا وشريكا يمكن الاعتماد عليه.
باختصار، نجح الرئيس السيسى فى أن يسوق ما تحقق فى مصر خلال السنوات الأربع الماضية أمام أكبر تجمع من رؤساء الشركات الأوروبية والعالمية المتطلعة إلى العمل فى السوق المصرية ومنافسة الشركات الصينية فى أفريقيا، باعتباره حزمة من المحفزات المشجعة على الاستثمار، فهل يمكن للشركات ورجال الأعمال المصريين أن يبنوا على ما تحقق وأن يطرقوا أبواب الشركات الأوروبية والعالمية لعقد الشراكات معها فى مشروعات مصرية أجنبية مشتركة؟
هذا هو التحدى المصرى خلال السنوات المقبلة، حتى تتحقق النهضة الشاملة المرجوة بإذن الله.