الآن وبعد أن أصبحت كاميرات الفيديو فى أيدى الجميع، وضمن إمكانيات الموبايل الذى يحملونه، أصبح من الصعب أن يتصور الإنسان كيف كان اختراع السينما أمرا مذهلا ومدهشا ومفاجئا للعالم، وكيف كانت أخبارها وعروضها تصنع حالة من السحر والجاذبية.
بدأت السينما فعليا من خلال اختراع آلتى التصوير والعرض السينمائى، ولكنها شأنها شأن أى اختراع بدأ بحلم وخيال وفكرة، ربما تراها من خلال الرسوم المتتابعة فى الجداريات الفرعونية التى تبدو وكأنها لقطات متصلة فى فيلم سينمائى، وربما فى محاولات مبكرة للعالم المصرى الحسن بن الهيثم ونظرياته التى نشأ عنها اختراع كاميرا الفوتوغرافيا التى تلتقط الصور الثابتة، والتى أحدثت انقلابا فى العالم لم يفقه سوى كاميرا السينما التى التقطت الصور المتحركة.
فقد سجل ابن الهيثم ملاحظاته حول انتقال صورة الشجرة مقلوبة مع الضوء من خلال الثقب، فوضع العديد من الملاحظات فى هذا الموضوع، ووصف الأمر وصفا دقيقا، موضحا قوانين الضوء فى هذه الحالة، ودون ابن الهيثم اكتشافه هذا ووصفه فى كتابه المناظر، وحين تمت ترجمة كتاب ابن الهيثم إلى اللاتينية ظهرت كلمة كاميرا اللاتينية للمرة الأولى نتيجة لترجمة الكلمة العربية «قمرة».
وفى عام 1850 اخترع العالم الألمانى «فريدريك سكوت»، فكرة ظهور الصورة على الزجاج، وتطورت القمرة أو الكاميرا الفوتوغرافية فى منتصف القرن الـ19 على يد علماء كثيرين منهم العالم الفرنسى «أندريا أدولف» الذى اخترع طريقة الـcdv وهى أن يكون الفيلم على شكل بطاقات صغيرة متتالية.
ولكن المؤكد أنه وفى مرحلة معينة فى العصر الحديث فى القرن التاسع عشر بدأت فكرة تحقيق الصورة المتحركة أو السينما توغرافيا أو التى سيتم اختصارها لاحقا إلى السينما فقط، بدأت تتبلور بصورة مبدئية جدا حققها فى إنجلترا دكتور يدعى باريس، بوضع صورة حيوان على كرتونتين، ربط بينهما بسلك، فإذا أدير السلك بسرعة تبدو صورة الحيوان وكأنها تتحرك، إنه مفهوم السينما بشكل بدائى جدا، ولكنها الفكرة الوليدة التى ستنمو بعد ذلك إلى أن تصبح كيانا مذهلا سيهز دعائم الفن فى القرن العشرين.
وتوالت الأحداث والاختراعات والابتكارات والأفكار بعد ذلك، حيث بدأت ملامح الآلة تتبلور شيئا فشيئا، وكان التنافس على أشده بين علماء متفرقين فى بلاد متفرقة، فقدم «إميل راندو» الفرنسى بين عامى 1877 و1880 شكلا بدائيا، ولكن أكثر تطورا، إذ وضع صورا عدة لحصان على شكل دائرى وعلى محور متحرك، بحيث إذا أدرنا هذا المحور نرى الحصان يتحرك ويعدو.
هذه مقدمة كتاب «ما السينما» للدكتور وليد سيف، الصادر ضمن سلسلة «ما» التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أتمنى قراءته وأن نرشحه لأبنائنا طلاب الثانوية العامة.