أحب العراق، أعرف قدرا من تاريخه وألم ببعض حضارته وأرى أهله يشبهون المصريين، لا أعرف كيف، وأكثر ما يفرحنى هو أن أرى العراق فى خير، بأرضه وناسه، وعليه فإننى منذ تابعت معرض بغداد الدولى للكتاب شعرت بالبهجة.
جاء المعرض كما تمنيت، تابعته على المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعى، وشاهدت البهجة على وجوه العراقيين، رأيت رجالا يتطلعون إلى عناوين الكتب ورأيت أطفالا تملأ عيونهم فرحة المعرفة، ورأيت شارع المتنبى والكتب على جانبيه كما كنت أسمع عنه فى الماضى.
فى الصور والفيديوهات رأيت شيئا مختلفا فى المعرض الذى انتهت فعالياته أمس، شىء من الماضى البعيد الذى كان فيه أهل العراق يحملون آمالا لا حد لها فى حياتهم، قبل أن يظهر الرعب الداخلى والخارجى ويدمر كل هذه الآمال.
وبينما أطالع الوجوه التى حفر الحزن عليها الكثير تذكرت سنوات طويلة والعراق يخسر روحه فى الحروب والحصار والغزو، سنوات كانت نتائجها كارثية، لم نملك فيها سوى التعاطف والتمنى والدعاء، تابعنا خلال السنوات الماضية النهب والسلب الذى قام به الأمريكان، فقد سرقوا كل شىء ولعل التوراة البابلية التى وصلت إسرائيل أكبر دليل على هذا الكلام، شاهدنا ذلك عاجزين حزانى، ورأينا تنظيم داعش الإرهابى وهو يدمر ويمحو التاريخ ولم نقو إلا على الصراخ، ولعل ما فعله بمدينة النمروذ سوف يظل عارا يطارد هذه الأشباح إلى نهاية الزمن.
لذا عندما رأينا شيئا جميلا فرحنا، فالأمر يتجاوز فكرة «معرض كتاب» إنه يعنى عودة نوع من الحياة، فالثقافة، على أهميتها، فإن النفس لا تلجأ إليها إلى فى حالين، الأول عندما تكون الأمور «مرتاحة» وبالتالى ندخل فى باب المتعة، والحال الثانى هو «المقاومة» وأى الحالين فى العراق مهم.
سواء أكان الأمر رفاهية أم مقاومة فهو دليل حياة، وهو ما نحتاج أن نشعر به، نريد أن تعود الحياة لتأخذ مكانها الطبيعى، ونتمنى أن يأتى جيل من العراقيين لا يرى حربا ولا يتعرض لحصار بل يعرف مواعيد معارض الكتب، ويناقش ما تطرحه المكتبات من جديد ويسألون عما قاله الشعراء مؤخرا، لا أن يخشى أن يفجر المكان بكل ما فيه.
سعيد من أجل العراق، لأن خطوة مهمة تلوح فى الأفق، فقد رأيت ابتسامة طفلة تمسك فى يدها كتابا، وفى رأيى هى الطريق الصحيح الذى يمكن أن ينجو بنا جميعا من السقوط فى الكارثة، لذا فإننى فى انتظار المعرض المقبل، وأتمنى أن يكون أكثر جمالا وبهجة.